د. علي بن فايز الجحني
إن على العالم العربي والإسلامي الوقوف صفًّا واحدًا ضد النظام الإيراني والمطالبة دوليًّا بمحاكمة رموز هذا النظام نظير الأنفس التي أزهقت بسببه، والممتلكات والأموال التي دمرت، وفوق هذا وذاك ما أحدثوه من تشويه لصورة الإسلام والمسلمين في كل أنحاء العالم، وعلى دعم الإرهاب وإثارة الصراعات الطائفية ودعم الجماعات والمليشيات والتنظيمات المسلحة.
إن ضلوع النظام الإيراني في الدعم العسكري اللوجستي والاستخباراتي للإرهابيين واضح للعيان، وثبوت تورط مؤسسات النظام في دعمهم أمر لا يقبل التشكيك فيه؛ إذ إن هناك علاقة مصالح قوية بين مؤسسات الحرس الثوري والاستخبارات وتنظيم القاعدة، والدواعش وكل الإرهابيين في العالم، وبناءً على تلك العلاقة وفر النظام الإيراني ملاذات آمنة، ومراكز التدريب والتموين لآلاف من عناصر «القاعدة» من بينهم قياديون كبار.
إن تاريخ العلاقة بين إيران والقاعدة يعود - كما مر بنا - إلى بدايات التسعينيات، عندما بدأ مسؤولون كبار من الحرس الثوري الإيراني يعملون سرًّا مع حزب الله اللبناني في تدريب عناصر «القاعدة»، لكنها توثقت بعد هجمات سبتمبر، ولا أدل على ذلك من التسهيلات التي وفرها النظام الإيراني لكثير من قيادي القاعدة ومنهم: «أيمن الظواهري»، و»أبو مصعب الزرقاوي» الذي أصبح أخطر مطلوب في العراق قبل أن يقتل، و»سيف العدل» قائد عمليات التنظيم و»خالد الشيخ محمد»، و»رمزي بن الشيبة» وغيرهم من رموز القاعدة وأذرعها الإرهابية. إضافة إلى ما سبق عمل النظام الإيراني على تهريب مقاتلي تنظيم القاعدة، وتسهيل انتقالهم من إيران إلى معسكرات التدريب في أفغانستان، وإخفاء زياراتهم إلى إيران نفسها أو أفغانستان، وتدريبهم، وتسهيل حصولهم على تأشيرات إلى الولايات المتحدة، وبعد تنفيذ هجمات سبتمبر الإرهابية ساعدت أعضاء التنظيم الإرهابي على الهروب من أفغانستان وإعطائهم ملجأً آمنًا في إيران لتفادي الوقوع في يد قوات التحالف في أفغانستان، وقد أقر منشقون من الاستخبارات الإيرانية بأن مسؤولين إيرانيين كانت لديهم معرفة سابقة بهجمات سبتمبر، وأن الاستخبارات الإيرانية وحزب الله سهلا سفر بعض الانتحاريين الذين نفذوا الهجمات.
وبعد هجمات سبتمبر أصبحت هذه العلاقات بين النظام الإيراني وتنظيم القاعدة أكثر وضوحًا، بعد أن وفرت لأعداد كبيرة من عناصره وعائلاتها ملاذات آمنة من منازل ومستويات من المعيشة والرفاهية وأيضًا توفير مواقع للتدريب على الأعمال الإرهابية.
ويشير تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر كما ذكر سابقًا إلى أن منفذي هجمات سبتمبر سافروا من أو عبر إيران بين أكتوبر عام 2000م وفبراير عام 2001م، وتم توفير التسهيلات الأمنية لمرورهم من دون أختام على جوازات سفرهم. وهناك معلومات عن أن «رمزي بن الشيبة»، الذي وصف بأنه منسق هجمات الحادي عشر من سبتمبر، توقف في إيران عدة مرات في طريقه إلى أفغانستان بعد كل اجتماع كان يعقده مع الانتحاريين في أوربا. كما يشير التقرير إلى أن عملاء حزب الله كانوا يراقبون عن كثب حركة الإرهابيين عبر إيران منذ نوفمبر عام 2000م، وقالت لجنة الحادي عشر من سبتمبر: «إنه يوجد دليل قوي على أن إيران سهلت نقل عناصر من تنظيم القاعدة داخل وخارج أفغانستان قبل أحداث نيويورك الإرهابية، وأن بعضًا من هؤلاء كانوا من الخاطفين الذين شاركوا في الهجمات». وقال التقرير أيضًا: إن هناك أدلة على أن عناصر بارزة من حزب الله كانت تتابع عن قرب سفر بعض الخاطفين إلى إيران في نوفمبر (تشرين الثاني) 2000م
وفي شهادته أمام محكمة أمريكية، قال الموظف السابق في الحرس الثوري «عبدالقاسم مصباحي» إنه كان جزءًا من فريق مهمته تصميم خطة سُمّيت بـ «لهيب الشيطان» تتضمن هجومًا غير تقليدي على مركز التجارة العالمي والبنتاجون والبيت الأبيض باستخدام طائرات مدنية، وإن العملية تم تفعيلها خلال الأسابيع القليلة السابقة لهجمات سبتمبر. وشهد مصباحي كذلك بأن إيران اشترت في عام 2000م نظام محاكاة لطائرات بوينج 757- 767- 777؛ لتدريب الإرهابيين عليها، وهي نفس نوعية الطائرات التي استخدمت لاحقًا في الهجوم على أمريكا. وهذا دليل آخر على وقوف إيران وراء كثير من المنظمات الإرهابية وأعمالها الإجرامية لخدمة مصالحها.
وقد شهدت إيران بعد عام 2005م تحولًا خطيرًا، حيث سيطرت فيها نخبة عسكرية وأمنية على السياسة الخارجية الإيرانية، ورسمها في إطار رؤيتها لقوتها ونفوذها العسكري بإشراف من مرشد الجمهورية علي خامنئي والرئيس السابق «أحمدي نجاد» القادم من الحرس الثوري؛ لتحقيق شيئين: الأول السعي للحصول على القدرة النووية العسكرية، والثاني دعم المنظمات الإرهابية التي تمكنهم من إيجاد حالة من عدم الاستقرار في الدول غير الصديقة. وقد فوض مرشد الجمهورية المؤسسات العسكرية والأمنية لتمويل وتدريب المليشيات الإرهابية، خاصة وحسبما أشار تقرير هجمات سبتمبر ؛ فإن الخلافات المذهبية والعقدية بين الشيعة والسنة لم تكن حاجزًا أمام التعاون بينهما تجسيدًا لمقولة زعيم القاعدة أسامة بن لادن من أن هناك «تقاطع مصالح».
وقد نشرت الولايات المتحدة أخيرًا وثائق بخط زعيم القاعدة السابق «أسامة بن لادن»، يؤكد فيها وجود تعاون إيراني مع القاعدة.
وفي هذا السياق فإنه ثبت أيضًا أن هناك علاقة قوية بين إيران وتنظيم الجهاد المصري الذي كانت لديه روابط قوية مع «أسامة بن لادن»، وقد اعترف «علي محمد» وهو أحد المتهمين في الهجمات على سفارتي الولايات المتحدة لدى كينيا وتنزانيا، أنه كان على علم بالعلاقة التي تربط بين تنظيم الجهاد المصري وإيران وحزب الله.
وقال: إنه رتب تأمين اجتماع في السودان بين «عماد مغنية» القائد العسكري لحزب الله، و»أسامة بن لادن» في التسعينيات، وبناءً عليه وفر حزب الله اللبناني التدريب على المتفجرات لعناصر «القاعدة» والأسلحة لتنظيم الجهاد المصري. ولا بد من التنويه إلى أنه كان يقود تنظيم الجهاد المصري في 1998م، «أيمن الظواهري»، الذي دمج منظمته مع منظمة بن لادن لتشكلا الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين. وقبل ذلك كان الظواهري قد أسس علاقة قوية مع قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، وخلال التسعينيات سافر «الظواهري» مرارًا إلى إيران كضيف على الاستخبارات.
واتجهت إيران الآن إلى إرهاب من نوع آخر، وهو الإرهاب الإلكتروني، وهناك دلائل على تورطها في حوادث في الشرق الأوسط وخارجه من خلال استهدافها منشآت البنية التحتية لخصومها، ودليل ذلك أنه في آخر صفقة تبادل سجناء بين الولايات المتحدة وإيران كان أحد السجناء الإيرانيين المشمولين في الصفقة مجرمًا إلكترونيًّا ذا سوابق تتعلق بالقرصنة الإلكترونية. ومن هنا أصبحت إيران بيئة حاضنة لتفريخ الإرهاب و»الهاكرز» ومصدرًا للإجرام الإلكتروني الذي يستهدف مصالح الدول في المنطقة وعلى رأسها السعودية والإمارات وتركيا.
وللحيثيات السابقة والأوضاع الإقليمية والدولية دخل النظام الإيراني مع الولايات المتحدة والغرب في مساومات خاصة بعد وصول الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» إلى البيت الأبيض، رأت إيران أنه الرجل المناسب للتفاوض معه، وبين عشية وضحاها تحولت سنوات العداء والشعارات المعادية لأمريكا إلى حصاد للمكاسب ومكافآت للإرهابيين، وبالفعل كانت المحصلة التوقيع على اتفاق الملف النووي ما عده كثير من المراقبين بمثابة مكافأة لإيران على انتهاكات القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، ودعمًا للإرهاب؛ لكونها صنفت ومنذ عشرات السنين في القائمة السوداء في أمريكا وفي دول أوربا لدعمها الإرهاب، وصدرت قرارات من الأمم المتحدة ومجلس الأمن تدين النظام الإيراني لعدوانيته.