د. محمد بن إبراهيم الملحم
تحدثت في مقالتي السابقة عن الإجازة والنشاط الطلابي المفقود تقريباً، وأجدها فرصة لأطلعكم على ما يحدث لدى غيرنا في هذا الشأن مع توضيح أهمية النشاط الطلابي للطالب وهل هو فعلاً يستحق العناء والمشاركة؟ أم أن الدراسة هي الأهم وفيها مستقبل الطالب فقط فيجب أن يركّز عليها ويترك هذه «المشتتات»؟
لقد أثبتت الدراسات أيها السادة أن النشاط الطلابي لا تقتصر أهميته على تنمية شخصية الطالب فحسب وإنما لها تأثير إيجابي عال على تقدّمه الدراسي من عدة جوانب، خاصة للطالب الضعيف أكاديمياً at risk student فهو يسهم في تحسين صحته النفسية، كما أنه يؤثِّر كثيراً في خفض نسبة التسرّب من الدراسة، ولأنه يعطي الفرصة للطالب على «التألق» وتحقيق الذات فهو يسهم في انتمائه أكثر للمدرسة وزيادة دافعيته للدراسة والتحسّن أو التقدّم الدراسي، وبالنسبة لجميع فئات الطلاب فإن الدراسات أشارت أنه يزيد من نسبة الانخراط الاجتماعي social inclusion مما يعمّق العلاقات بين الطلاب الذين بينهم مسافات اجتماعية بسبب اختلاف العرق أو المذاهب الدينية أو المستوى المعيشي أو لأي سبب اجتماعي آخر.
نشرت الجمعية الأمريكية للمرشدين الطلابيين American School Counselor Association بحثاً مهماً عن العلاقة بين الأداء الأكاديمي ومشاركة الطلاب في الأنشطة ووضحت أن ثلاث دراسات بحثت في نموذج تطوري للإرشاد النفسي الطلابي تشير إلى ثلاثة عوامل مهمة لتطور الطالب وهي «التعلّم مدى الحياة» و»الفعالية الشخصية» و»الدور الاجتماعي»، وذكرت أن الأنشطة الطلابية تسهم كثيراً في تعلّم واكتساب هذه العوامل المهمة، كما أشارت الورقة إلى دراستين مهمتين حول فاعلية تأثيرالأنشطة الطلابية على النمو الإيجابي للمراهق، كما ذكرت أن أربع دراسات علمية توصلت أنها سبب مؤثِّر في الطموحات العالية لمهنة المستقبل، كما استعرضت أيضاً بعض الدراسات التي توصلت إلى علاقة إيجابية بين ممارسة الطلاب للأنشطة وكل من تراجع مستوى الغياب لديهم أو مستوى الانحرافات السلوكية أو ارتفاع الثقة بالذات بين زملائهم. وحيث إن هذه الدراسات أمريكية فإن ما يقصد بالأنشطة الطلابية هناك هو غالباً الرياضة، وقليل جداً من الفنون والمجالات الأخرى، بينما الأمر مختلف في بريطانيا مثلا والتي تتميز مدارسها بالعناية الكبرى بالأنشطة الطلابية، ومع أن الرياضة تأخذ الحيز الأكبر (تقريباً 70 %) إلا أن هناك نسبة كبيرة لمجالات أخرى عليها إقبال كبير هي الفنون الأدائية (المسرح والإخراج والموسيقى والرقص)، المهن والأعمال، والتطوع. وفي تقرير حديث لوزارة التربية البريطانية نشر في أغسطس 2017 يشرح وضع الأنشطة في المدارس المتوسطة والثانوية، وضح أن المحفز القوي لتسجيل الطلاب في النشاط هو توفر أحد أعضاء المدرسة لديه اهتمام وتمكّن، كما أن أولياء الأمور عندما يختارون مدرسة يبحثون عن مدى توفر هذا العامل حسب المجال الذي يهواه ابنهم أو ابنتهم مع توفر الإمكانيات في مبنى المدرسة لذلك النشاط مثل المسرح أو الملعب أو الصالة المخصصة والأدوات المختصة، ويدفع أولياء الأمور لهذه الأنشطة ما يعادل ما بين 15 إلى 50 ريالاً لجلسة النشاط الواحدة.
يقول نيك موريسون وهو صحافي متخصص في التعليم «إن ما تعرف به المدارس البريطانية غير أدائها الأكاديمي المتميز هو فرص الأنشطة الطلابية المتوفرة بها»، وتتوفر بالمدارس البريطانية (خاصة المستقلة) إمكانيات في المبنى توازي ما يتوفر بالنوادي ومراكز التدريب ، بل يصل بعضها إلى المستوى العالمي ، فهناك الملاعب الكبيرة والصالات المغلقة والمسابح و الأستوديوهات والمسارح المزودة بأفضل التجهيزات كما توجد ورش المهن المختلفة كالنجارة والسباكة والكهرباء ومعامل الروبوت والرسم والأشغال الفنية وما إلى ذلك، وبحسب موقع وينترز Winter›s فإن ثلث الحائرين على الميداليات في أولمبياد لندن درسوا في مدارس مستقلة، وينطبق الأمر أيضاً على الحائزين على جوائز الأوسكار وكذلك الموسيقيين الذين وصلوا إلى المستوى العالمي.
هناك بعض المدارس الثانوية تطبق أسلوباً في عملها يُسمى قوة التلميذ العسكري Combined Cadet Force (CCF) ويصنف على أنه نشاط لا صفي مستمر في اليوم المدرسي، وهو نشاط برعاية وزارة الدفاع البريطانية يهدف إلى تدريب الطلاب على القيادة والانضباط، ويلبس فيه الطلاب اللباس العسكري ويمارسون نفس الممارسات تقريباً، هذا غيض من فيض وسنستكمل الحديث لاحقاً لنتعرّف أكثر على النشاط الطلابي ودوره المهم في التنمية البشرية.