نوف بنت عبدالله الحسين
كيف نغادر؟ ومتى نغادر؟ ولماذا نغادر؟ تلك أسئلة رئيسية في أي محطة مغادرة تتواجد في حياتك... لكن السؤال الأهم؟ هو كيف نغادر؟ كيف نغادر مكاننا أو أفكارنا أو معتقداتنا أو حتى لحظاتنا؟ دون أن نخسر شيئاً من قيمتها أو مكانتها..
قرار المغادرة تحتاج إلى حزم حقائب الاستعداد واتخاذ قرار المغادرة بشجاعة وإصرار... أن تغادر وأنت شامخاً... وأن تكون مغادرتك من القاع إلى القمة هي هدفك..
كم نحتاج أن نغادرنا لنعود إلينا عودة أجمل وأنقى.... برؤية مختلفة.. وتوجّه عميق نحو دواخلنا... وكم نحتاج إلى مغادرة فورية من واقع مزعج لنعود إلى واقع مزهر...كم نحتاج إلى مغادرة كم ما يجعلنا أسرى في قوقعة الحياة وروتينها فنشعر حينها أن المغادرة أصعب.. وأن متلازمة المكان والزمان واللحظة تكبّلنا.... وذلك لم يكن إلا من صنع أنفسنا لقيود متناثرة حول المسؤوليات أو العادات أو الأفكار...فأرهقنا أنفسنا ومن حولنا دون أدنى شعور فغادرتنا الضحكات واللحظات الجميلة وراحة البال بسببنا نحن...
المغادرة فن استحداث الرحلة نحو فنجان قهوة عبر أثير نغم يتصاعد من إذاعة تبحر بك نحو عالم غير عالمك... أو قد تكون المغادرة عبر سجود طويل ومناجاة وحوار روحاني مع رب الأرباب وملك الملوك والأكوان في رحلة عميقة نفيسة تدخل فيها أسوار نفسك وتغادر بها الآخرين لتختلي بربك.... وربما تكون عبر ضحكة من قلب مع من تحب... تغادر التعب بوجوده فتصبح بصحبته في خير كثير وتعيد معه رونق حياة مختلفة...
هناك من يغادر مكانه ومازال متمسكاً بحياة سابقة مزعجة... فيسقط كل أمر سيء على أموره... فلا هو غادر الماضي ولا هو سمح للماضي بمغادرته.. ليعيش لحظات من أسى وألم مستتر ومستمر.. يظهر كوحش كاسر ويكسر كل جميل فيه.. فيرافق الألم سلوكه وحواره ولغته.. حتى يتحوّل الألم إلى لحظة قبيحة في التعامل مع الحياة... ويتحوّل من كائن لطيف إلى كائن منزعج ومزعج في آن واحد بسبب ملازمته ماضٍ تعيس أرهقه ثقله وتواءم معه في حياة مختلفة وكان مختلفًا...
لذا.. حين تغادر...غادر بذكاء... خذ من كل بستان زهرة... وابتعد عن كل المستنقعات...وغادر بجمال نحو الجمال...