محمد عبدالله بني هميم
تعتبر الحرية رغبة أساسية يريد الفرد الإيراني نيلها، وفي تاريخه الكثير من المظاهرات والاحتجاجات التي طالبت بذلك، كالتي نادت بالحقوق المدنية والصحافية، بجانب تلك التي حدثت ضد تزوير الانتخابات الرئاسية عام 2009.
إلا أن ما يميز الاحتجاجات الأخيرة وجعلتها الأقوى، كونها نابعة من أسباب اقتصادية ومعيشية صرفه نتيجة الغلاء وارتفاع الأسعار وتدني مستوى المعيشة للطبقة الفقيرة الأكثر احتياجًا وعوزًا، ثم سرعان ما اتخذت طابعًا سياسياً يرفض الحكومة الحالية وسلوكياتها ويرفض كذلك ولاية الفقيه، ومن الصفات الأخرى التي اتصفت بها المظاهرات إضافةً إلى مسبباتها الاقتصادية «العفوية الشعبية» البعيدة عن الأجندات السياسية؛ إذ خرجت بدون قيادة تنظمها أو تتحكم في مسارها بعكس احتجاجات 2009 التي تدخل فيها المرشحان الإصلاحييان مهدي كروبي ومير موسوي المنافسان للرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، ومن المفارقات في الاحتجاجات الأخيرة أنها لم تنطلق من المركز (العاصمة)، بل انطلقت من الأطراف بحيث شملت 64 مدينة إيرانية وكانت أبرزها (قم ومشهد) وهي المدينتان اللتان تعرف بموالاتها للنظام بل إنها انطلقت من معقل المرشد الخامنئي مدينة مشهد، فالشعب الإيراني سئم من تدخلات النظام الخارجية على حساب مطالب الشعب في الداخل.
فقد كانت الجماهير تردد عبارات: «غادروا سوريا فكروا فينا» وكذلك تردد «لا غزة ولا لبنان روحي فداء لإيران» فقد تغيرت منظومة التفكير لدى شرائح عديدة من المجتمع الإيراني. فكانت مطالب الشعب واضحة جدًا بسحب القوات الإيرانية، من الدول العربية والكف عن التدخل في شؤونهم والتفكير في الشعب الإيراني البائس.
بل ما يميز الاحتجاجات هذه المرة هو ترديد أهالي مدينة مشهد عبارة «الموت لروحاني والموت للديكتاتور خامنئي» فعندما يُذكر خامنئي فأنت تتحدث عن ركيزة النظام الإيراني بل العمود الفقري له. فنزول الشعب للشارع هذه المرة تختلف عن سابقاتها من حيث المطالب، فأصبح الشعب الإيراني يُدرك بأن نظام ولاية الفقيه هو السبب الرئيسي لمعاناته، وليست الحكومات المتعاقبة، التي تتشابه في برامجها ووعودها التي لم يلمسها الشعب.
فلا يمكن تصديق بأن دولة غنية كإيران يصل فيها عدد الفقراء إلى 40 مليون شخص. كما هتف الشباب الإيراني بشعار « رحم الله الشاه « وهو ما اعتبره النظام بمثابة التهديد، إضافة لذلك فإن أكثرية الشعب الإيراني من الشباب ويُريدون التغيير الملموس في واقعهم، فقد سئموا النظام المغلق بطبيعته على كل العناصر الضرورية لتأمين الحياة الكريمة التي يطمحون إليها، والقضاء على البطالة والفقر وارتفاع المواد الاستهلاكية. هذا بجانب قمع النظام للمتظاهرين وقتلهم.
فقد انهارت معادلة الإنجازات الخارجية للتغطية على الإخفاقات الداخلية، فالنظام الإيراني يتآكل من الداخل جراء التشدد الديني التي يعيشه في ظل نظام ولاية الفقيه، والأوضاع الاقتصادية الخانقة، واستفحال الفساد.
وما كان حرق صور خامنئي (الديكتاتور)، ووضعها تحت الأقدام في سابقة لم يجرؤ عليها أحد منذ سقوط نظام الشاه 1979، إلا رسالة من الشعب للديكتاتور وحكومة الملالي كافة مفادها؛ انتهاء عصر الشعارات والكذب على الشعب والتدخل في شؤون الآخرين والقتل والتدمير. فالشعب الإيراني يقول كلمته: «حان الوقت لاقتلاع جذور الثورة المشؤومة وأن البداية ستكون من أعلى الهرم وليس من أسفله مثل كل مرة».