«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
من الأشياء التي تحرص على وجودها جداتنا وأمهاتنا في بيوتهم أحجار أو قطع «الشبة»، تلك الأحجار البيضاء اللامعة. وأذكر أن أول مرة تعرفت عليها وعلى شكلها كان عندما طلبت مني والدتي - رحمها الله - وأنا طفل صغير، لم أتجاوز السابعة من عمري، أن أذهب لبيت «خالي»، وأطلب من جدتي بعضًا من أحجار «الشبة»؛ فلقد جرح شقيقي عبد العزيز إصبعه وهو يقطع بالسكين حبة رمان؛ فلم تتردد جدتي أن قامت من مجلسها في الرواق، ودخلت غرفتها، وعادت بـ(علبة معدنية مكتنزة بأحجار الشبة)، ثم أعدت صرة صغيرة من القماش، ووضعت فيها كمية منها، وسلمتها لي وهي تسألني عسى جرح «عزوز» بسيط؟ فأجبتها: الحمد لله، الجرح بسيط. وقامت الوالدة بوضع بودرة بيضاء عليه ولفَّته. فردت جدتي قائلة «هذه البودرة هي: (الشبة) التي تحملها في الصرة». وتمضي الأيام، وخلال دراستنا لعلوم الصيدلة في المعهد الصحي في الثمانينيات الهجرية، كان من ضمن المواد التي اطلعنا عليها ضمن الدراسة مادة حجر الشب (Alum)، فوائده وأضراره. وهذا الحجر الذي عرفه الإنسان في مختلف بقاع الأرض، ومنذ القدم، شاع وذاع صيته؛ كونه من الأحجار المفيدة في العديد من جوانب الحياة. والشب أو الشبة كما تشير المراجع العلمية والطبية، وعلى الأخص علوم الأدوية، يسمى «شب الفؤاد»، وهو حجارة بيضاء، ومعدن يستخدم منذ القدم؛ إذ تم العثور عليه بين المعادن الطبيعية، ويمكن العثور على هذا المعدن في خاماته الطبيعية بالقرب من مواقع البراكين. واليوم نستخدم حجر شب البوتاسيوم الصناعي، وهو عبارة عن خليط من كبريتات البوتاسيوم والألمنيوم. وهو اسم يطلق على مجموعة معينة من الأملاح المركبة التي تتألف من ملحين بسيطين، يؤلفان باتحادهما بلورات بنسب ثابتة. وحجر الشب الشائع ملح مركب من كبريتات البوتاسيوم المائية، وكبريتات الألمنيوم. ويسمى هذا المركب شب البوتاس أو شب البوتاسيوم. ومن أنواع الشب: شب الأمونيوم، وشب الصوديوم وشب كروم البوتاسيوم.. ويتم إنتاج معظمها من البوكسيت (خام أكسيد الألمنيوم).
والجدير بالذكر أن للشب أصنافًا وأنواعًا كثيرة، نحو 16 نوعًا، والداخل منها في علاج الطب ثلاثة (المشقق والرطب والمدحرج). والمشقق هو اليماني، وهو أبيض إلى صفرة، قابض فيه حموضة. ولقد اكتشف القدماء أن للشب مواصفات مفيدة، لا توجد في أي مادة أخرى معروفة، مثل تهيئها السريع للبلورة، وغياب اللون منها دليل على نقاوتها، وهو أمر مهم في الصباغة، وتشكلها في الطبيعة. وقد عُرف الشب نقيًّا منذ 2000 عام قبل الميلاد في الصحراء المصرية والصينية والإندونيسية، وعلى شكل أقل نقاوة في اليمن.
وقد كان له دور مهم في التجارة العالمية، خاصة بعد انتقال صناعة الورق إلى أوروبا إبان حروب الفرنجة. وبقي استخدام الشب أساسيًّا في صناعة الورق حتى القرن التاسع عشر. وكما قلنا، لا يخلو بيت في العالم تقريبًا من وجود أحجار أو بودرة أو أصابع «الشبة»، ولا بد أن تجدها لدى صوالين الحلاقة من ضمن الأشياء التي يستعملها خلال حلاقة الزبائن. كذلك تجدها بجوار المرآة التي يقوم بالحلاقة أمامها أي منا؛ فربما عفويًّا قد يُصاب أحدهم خلال حلاقته اليومية بجرح ما. هذا، وكان أول شيء يفعله المحسن الذي يقوم بختان الأطفال هو وضع مسحوق «الشبة» في موضع الختان لإيقاف النزف. وهناك استعمالات عديدة ومفيدة لهذا الحجر السحري؛ كونه يدخل في الكثير من مواد التجميل؛ فهو عنصر مهم في تركيب المواد الخاصة بإيقاف العرق. ويستخدم ممزوجًا في تكوين الأقمشة المضادة للاشتعال، وذلك من خلال محلول الشبة على القماش والخشب والورق لزيادة مقاومتها للحريق. كذلك تُستخدم كمادة رغوية مهمة؛ إذ تُستخدم في طفايات الحريق لإخماد الحرائق الكيميائية المختلفة. وتستخدم «الشبة» كمسحوق في قسم التوابل في كثير من محال البقالة والعطارة؛ فهي تُستخدم في التخليل كمادة حافظة، تحافظ على هشاشة الفاكهة والخضراوات. كما تُستخدم الشبة كعنصر حمضي في بعض مساحيق الخبز.. هذا، وتُستخدم الشبة منذ القدم في مجالات نسائية، تعرفها النساء فقط، ولن أزيد؟!