فهد بن جليد
يبدو أنَّ قاعدة (خالف تعرف) باتت هي الأخرى حاجة طبيعية مثل الطعام والشراب عند أولئك الذين وجدوا في مصادمة ومُخالفة أفكار وثقافة المجتمع، واستفزازه طريقاً لمزيد من الشهرة والتميز والتداول والإشارة مما حقق لهم مكاسب غير مُكلفة، لأقوال غير مُلزمة، لا يتم العقاب عليها عادة لعدم كفاية الأدلة، وهذا نتيجة احتراف هؤلاء لفنون المُشاكسة الهادئة في مُخالفة السائد، باختيار وانتقاء الألفاظ التي يدسونها بين العبارات والأحاديث - بكل عناية - لتبقى لهم مخرجاً في المسألة حال ضاقت الأمور عليهم، وليمنحهم حينها النقاش والطرح اهتماماً، يبقيهم أطول مدة مُمكنة تحت الأضواء استناداً لرأي أو قول شاذ ومُهمل, وهذه عقدة يصعب التخلص منها, نتيجة إدمان مكاسبها المجانية الكبيرة التي حصدها المُجرِّبون.
يشهد التاريخ بأنَّ هناك خيطا رفيعا بين الحق والباطل في الآراء الشاذة والمُهملة، والفرق واضح بين الشجاعة في طرح وقول الحقيقة التي صمت عنها الناس وتجاهلوها، وتسليط الضوء على الصواب بمُقارعة الحُجة بالحجة، والبحث عن المعلومة النادرة وغير الشائعة وطرحها للنقاش بكل هدوء واتزان، وبين تبني الرأي المُخالف لنيل الشهرة أو المزيد منها والكسب المادي أو المعنوي، والخوف من مُغادرة منصات الأضواء، وأمثال هؤلاء أثبتت الأيام أنَّهم ينكشفون في نهاية المطاف وتلفظهم شهرتهم, وينبذهم الناس, وتنقلب مكاسبهم خسائر عليهم, والشواهد كثيرة، حتى وإن صفق لهم من صفق أو تداول الناس ما قالوه وتبنوه لمدة من الزمن، إلا أنَّ الحق أبلج.
الشهرة والبروز والمعرفة حق مُكتسب لكل إنسان - شريطة أن يطلبها - بطرقها ومسالكها الصحيحة, ولا يجب قصر المُنافسة في ذلك على فئة دون أخرى, وقد يعذر الجاهل والمغمور وغير المعروف عندما يجرّه حماسه واستعجاله للخروج على الإجماع المعرفي والمجتمعي وحتى الأسري، بسلك طرق مُخالفة من أجل لفت الانتباه حتى يعرف ويمُيَّز عن غيره، بينما يبدو الأمر غريباً ومُستهجناً ومنبوذاً وغير مُستساغ عندما يعبث المعروف - والمشهور في الأصل - بتاريخه وعلمه، ويخالف قناعاته الشخصية قبل قناعات غيره وفطرتهم, طمعاً في مزيد من الأضواء والشهرة, قبل التراجع عن ذلك حتماً بعد خراب مالطا, مثل هذه المُمَّارسات لن تختفي مالم يوقفها القضاء عندما يلجأ إليه المتضررون منها، تبعاً للقاعدة الشهيرة.
وعلى دروب الخير نلتقي.