د. خيرية السقاف
أحتفظ بعبارة جاءت في «تغريدة» للروائي القاص عيسى الألمعي قال فيها: «تعطيك القراءة النهمة, وجمع الكتب الثقافة، وسعة الاطلاع, والمعرفة, لكنها لن تكسبك الإنسانية, والقيمة, وبياض القلب, فتلك لها معززات أخرى»..
خلاصة عميقة مركزة فيها الدليل, والمصباح!!..
إذ في ضوء ما نشهد من حراك تظاهري لكل من يؤكد بالكلمة المكتوبة, والمشهد المصور, والصوت المسموع سعة ثقافته, وضلوع معرفته, ورقي خلقه, وفرط إنسانيته, فإننا نقف على نقيضه.., ونقيضه غوغاء يتكاثرون..
فالمشهد واسع متمادٍ..
وثمة متسللون فيه قد كثرت غلبَتهم, وجلَبَتهم, وهم مندسون بين سجفه, متسلقون حباله..
هؤلاء آتتهم نافذة براح قرَّبتهم من الضوء, وكشفتهم بجلاء..
ولأنهم يراوغون بحقيقتهم فقد غلبت على الجاهلين بهم خديعة تنميقهم, ولمعة تزيينهم, وخلفية صورتهم, ورنة صوتهم فأخذوا يربتون على غرورهم فيزيدونهم دافعية، وتماديا..
هؤلاء الذين لم تمنحهم مكتباتهم المنزلية, ولا رفوفها في مواقع أعمالهم, ولا مناكبتهم في معارض الكتب, ولا تدافعهم في مدرجات المنابر ما ينبغي من كتلة قيم, وعصبة مبادئ, وجمعٍ وفير من سلوك المقاصد الراقية, والقلوب الراضية, والمواقف النبيلة..
إنهم مدعو المعرفة, المتظاهرون بالثقافة، وقد انتشروا ويُسمَع لغثِّـهم,
وتبلغ جعجعتهم, وهم في الواقع يتجاوزون, وينحازون, يجرحون القيم, يخدشون الإنسانية, يكدرون النقاء ..
حقا فإن المرء لا يقاس مسلكه, ومبدأه، وقيَمه بما اقتنى من الكتب، أو قرأ من الصفحات, أو هدر من قول, وهذر بسواه..
أو جلس إلى المنابر واعتلى سلمة الضوء!!..
وإنما بما يقول, ويفعل في مضمار النفوس يرويها, والعقول يبنيها, والأخلاق يضرب أوتادها ويعليها..
وقد صدق عيسى, وأصاب في وقت نبحث فيه عن الصادقين !!..