هدى بنت فهد المعجل
نقلت لنا الكتب أن سقراط وُلد وعاش في أثينا، وكان ملبسه بسيطًا. وتعلم في بداية حياته الموسيقى والأدب والرياضة وعُرف عنه تواضعه في المأكل والمشرب. وولد لأب نحات وأم قابلة وفي ربيع حياته اشتغل نفسه بالنحت...
كان سقراط يعلم الناس في الشوارع والأسواق والملاعب، وكان أسلوب تدريسه يعتمد على توجيه أسئلة إلى مستمعيه، ثم يُبين لهم مدى عدم كفاية أجوبتهم. قُدّمَ سقراط للمحاكمة وُوجهت إليه تهمة إفساد الشباب والإساءة إلى التقاليد الدينية، وكان سقراط يؤمن بأن الأسلوب السليم لاكتشاف الخصائص العامة هو الطريقة الاستقرائية المسماة بالجدلية؛ أي مناقشة الحقائق الخاصة للوصول إلى فكرة عامة. وقد أخذت هذه العملية شكل الحوار الجدلي الذي عرف فيما بعد باسم الطريقة السقراطية. ومنهجه التهكم والتوليد حيث كان يطرح أسئلة على خصومه متسلسلا إلى أن يحرجهم وتمتاز عادة أسئلته بالسخرية...
ولأن (أفلاطون) تلميذه الثاني فقد ألف كتابا عنه يصف أواخر أيامه، وقبل أن ينفذ عليه حكم الإعدام بتناول كوب من سم الشوكران، هو الكتاب الذي بين يدي الآن.. (آخر أيام سقراط)...
و(آخر أيام سقراط) هي أيضا مسرحية من أعمال منصور الرحباني عام 1998م.. فهل بين المسرحية وكتاب (أفلاطون) علاقة أو العنوان فقط..؟ قرأت الكتاب.. فوقفت على فقرات عدة وردت؛ تفيض بحكمة سقراط، وتضج بفلسفته القيمة.. وكل الكتاب جدير بالقراءة وتكرارها.. ومنه أحاول الوقوف؛ مع شيء من التعليق على بعض أقوال وآراء الفيلسوف (سقراط).
(1)
(...أن أوسع الناس شهرة كانوا جاهلين الجهل المطبق تقريباً، بينما لمست أن من يعتبرهم الناس دون أولئك، كانوا أمهر منهم بكثير في استعمال عقلهم العملي).
من الذي يدفع رقعة الجهلاء نحو الاتساع في حين تضيق دائرة الشهرة على المهرة..!! حالياً الإعلام يسهم بشكلٍ قوي في مد نطاق شهرة خالي الوفاض، وحجب الضوء عن المبدعين والعظماء. فالمال.. والوجاهة.. والعلاقات.. والنفاق الاجتماعي.. وفرض الحضور الدائم.. أسباب تجعل الجاهل أكثرة شهرة من المهرة.. وإلى الآن لم يستطع الإعلام تبرئة نفسه من هذه الجريرة.. وإلا لما رأينا الأسماء ذاتها تتكرر في وسائل الإعلام.. وفي المحافل.. والأمسيات.. والندوات..
(2)
(... لقد حاولت أن أقنع كل فرد منكم بألا يفكر ويهتم بالفوائد العلمية أشد من تفكيره واهتمامه بفوائده العقلية وسعادته الأخلاقية).
وهو أمر لا نستطيعه!! فالفائدة العلمية أكبر هم لدى كثير منّا مما ترتب على ذلك تضييع الفائدة العقلية والسعادة الأخلاقية.. قد تكون الفائدة العلمية جائزة تتشقق أقدامنا في سبيل نيلها والظفر بها.. فإذا نلناها وانتبهنا؛ اكتشفنا أننا لم نحظ بفائدة عقلية تبقى معنا ما بقي لنا من العمر.. عقلي الذي بناء عليه تتضح أخلاقي.. طباعي.. سلوكي.. منهجي. الجمع بين الفائدة العلمية والعقلية مطلوب.. وإن تعارضتا فالفائدة العقلية هي الأهم.. رأى ذلك سقراط في عام399 ق م..ونحن الآن في عام 2008م.. ومازال الرأي يحتاج العناية منّا..!!
(3)
(.. عندما يشب أولادي ويترعرعون، فإذا وجدتموهم يضعون المال أو أي شيء آخر في مرتبة أعلى من الصلاح، فلتعاقبوهم بإقلاقهم كما أقلقتكم، وإذا لم تجدوا أي سبب يبرر لهم الإعجاب بنفوسهم فلتوبخوهم كما وبختكم على إهمال الأشياء الهامة والاعتقاد بأنهم يصلحون لبعض شيء وهم لا يصلحون لأي شيء).
كلنا على اتفاق أن الشخص ينبغي له أن يبدأ في مسألة النصح والتوجيه بنفسه وأهله أولاً.. ثم الناس والمجتمع.. ولأن سقراط خشي بعد موته أن يلام في أبنائه وكّل الناس مهمة تأديبهم إن هم شذوا عن الطريق السوي.. فلم يكتف بتأديبهم في حياته فقط..
(4)
(..كانت طبيعتي تطالبني بألا أقبل بأية نصيحة يبديها أي من أصدقائي ما لم يدلل التأمل على أنها أفضل نهج يعرضه العقل..).
التأمل تفكر يصل بنا إلى الإيمان واليقين..
(5)
(..الأضعف ينشأ عن الأقوى، والأسرع عن الأبطأ)..
فليس كل قوي، قوي ولكن لأن قوته تمت مقارنتها بضعيف.. وما كل سريع، سريع عندما نقارن بينه وبين بطيء.. تأمل عميق.. فالطالب الذي يغتر بأن ترتيبه الأول على الفصل مع أن تقديره جيد جداً!! هل الغرور جدير به وجميع طلاب الفصل رسوب!!
***
(آخر أيام سقراط) سفر من الحكمة والفلسفة السقراطية.. ومن أقواله:
- كن بطيئا في عمل صداقة ولكن عندما تعقدها كن حازما وثابتا.
- احذر فراغ الحياة.
- تزوج فإن وفقت أسعدت وإلا أصبحت فيلسوفا.
- استغل وقتك في قراءة أعمال الآخرين التي جمعوها بعد عناء.
- الذي يريد أن يحرك العالم عليه أن يحرك نفسه أولا.
- إذا ساويت بين الناس فإن النساء سيتفوقن.