عروبة المنيف
إن الصعود المتسارع للإعلام الرقمي على الإعلام التقليدي أحدث حالة من التخبط لدى بعض مستخدمي الشبكة العنكبوتية، ما جعلنا نبتلي بأعداد لا يستهان بها من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ممن لا يفقهون ما يقولون، فقد أعمى الله بصيرتهم. ويتحفنا الإعلام الرقمي بشكل يومي بسلبياته وإيجابياته ما يجعلنا نواجه ثقافة جديدة، تستدعي من القائمين على البناء الثقافي والاجتماعي إدراك ما يحدث وسرعة التحرك. ففي زمن الإعلام التقليدي، كنا عندما نريد أن نستقي أي معلومة نحرص على أن يكون مصدرها محكماً وموثوقاً، ولكن مع زمن الفضاء المعلوماتي المعاصر، أصبح هناك نوع من الشك في مصداقية المعلومة، مع العلم أن دراسة أمريكية حديثة توصلت إلى أن نصف مستخدمي الإنترنت يعتقدون أن أكثر أو كل المعلومات الموجودة في الإنترنت موثوقة ودقيقة!
إن ظهور من يطلقون على أنفسهم «نجومَ» وسائل التواصل الاجتماعي، جاء نتيجة الفوضى المنتشرة في الفضاء الإلكتروني، فليس كل ما يلمع نجماً، وليس كل ما يبرق ذهباً، ونتج عن تلك الفوضى أن استطاع أي شخص تنصيب نفسه نجماً في «مجموعة الكواكب»، وأقصد بها وسائل التواصل الاجتماعي، فقط إذا وجد في نفسه القدرة والجرأة على التحدث أمام الكاميرا «كتطبيق السناب» بغض النظر عن خلفيته الثقافية والاجتماعية والسلوكية والمهنية وغيرها، فيقوم بإطلاق مبادرة أو فكرة على سبيل المثال، تكون كفيلة بالتقاط آلاف المتابعين ممن يسبحون في فلك الجهل والتغييب، وممن يفتقدون فهم آليات عمل ذلك الفضاء الإلكتروني وقوانينه وتحدياته. فنقص الوعي بالإعلام الرقمي قد يبتلي به الطرفين، فمن يعتبر نفسه «نجماً»، وهو مغفل سيهوى في الفضاء متخبطاً غير مأسوف عليه ولكن ستصيب شظاياه متابعيه، من أعطوه وقتهم وكياناتهم فخسروا.
إن افتقار من يدعون «النجومية» في هذا الفضاء الإلكتروني للميثاق الأخلاقي وجهلهم بنظام الجرائم المعلوماتية وتداعياته، يجعلهم في موقع لا يحسدون عليه، فالقانون لا يحمي المغفلين، والأدهى عندما تستخدم وسائل التواصل كساحات لتصفية حسابات شخصية، كإطلاق التهم والشتائم وقذف الآخرين مستغلين شهرتهم الزائفة فلا يردعهم دين ولا أخلاق، ما يجعلهم يقعون بلا هوادة، فالعقوبة هنا تأتيهم مضاعفة، أولها تطبيق قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية عليهم بالسجن والغرامة، ويعقبها نزع الثقة عنهم من قبل متابعيهم لدورهم المخزي في مس أعراض الناس وقذفهم والتشهير بهم ما يساهم في تعميق الجروح الاجتماعية ويغذي الأحقاد بين الناس، فمن يستغل الجهاز الذي بين يديه على مدار الأربع وعشرين ساعة في إلحاق الضرر بالآخرين لتحقيق مكاسب شخصية لا بد أن يكون مفتقراً للقيم الأخلاقية والمعايير الاجتماعية ومصيره السقوط.
إن توعية مستخدمي الإعلام الرقمي بالأنظمة والتشريعات والسياسات الخاصة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي أصبح ضرورة، وذلك لتعزيزها الوعي الحقوقي بشكل عام. ومن أجل حداث تغيير ثقافي واجتماعي مدروس يتطلب الأمر زرع أخلاقيات التعاملات الإلكترونية بطريقة أكثر احترافية وكفاءة، وهنا يبرز دور التعليم الرسمي كالمدارس والجامعات من خلال إدراج منهج لتعليم آداب ومهارات ومحاذير استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ويبقى للإعلام الرسمي الدور الأبرز في التوعية بهذا المجال.