أمل بنت فهد
للمشاعر حياة قد تطول مدتها، وقد تكون لحظية، وخلالها يمارس الإنسان طبيعته، يتفاعل معها، يلامسها، وربما يغرق فيها أو يموت بسببها، وفي بعضها يولد من جديد إنسان آخر، نفس الملامح، لكن أفكاره تتغير، وتوجهاته تتغير، ثورة حقيقية تقلب كيانه، وتمسح النسخة الأولى منه.
في غمرة المشاعر توجد نتيجة، وربما نتائج أياً كانت، متداخلة أو متناقضة، والمشاعر عموماً وليدة سبب، حدث، أو تجربة، أو شخص، أو مكان، أو زمان، أو خبر، وبمجرد أن تصل إلى الإنسان فإنه يتفاعل معها، سواءً كان وصولها إليه مباشراً، أو غير مباشر.
والذي يحدث اليوم، مع ثورة الاتصالات التي لا تهدأ، ولا تمنح الإنسان فرصة لفهم ما يحدث معه، أو التعمق فيه، فإن السؤال الذي يفرض نفسه، ماذا يحدث للإنسان نفسه، وماذا سيكون مصيره عاطفياً، وفكرياً؟
لاحظ، في أقل من دقيقة واحدة، يرى، ويسمع، أحداثا مختلفة التأثير، يشاهد خبراً وصورة لكارثة بشعة، يتبعها لوحة فنية، ويعقبها إعلان وتسويق، ثم كلام فارغ وثرثرة سطحية، ثم خبر مجزرة، ثم خبر طبي يعد بثورة صحية، ثم قصيدة غزلية، ثم منظر رأس مقطوع ودم متناثر، في قائمة طويلة من التنوع المتوحش، الهادر، باتت مشاعره المتناقضة والمتعاكسة تحت ضغط التفاعل في أقل من دقيقة!
هل بدأ الإنسان يعيش أزمة تكدس المشاعر التي لم يحسم أمرها؟ أمام هذا التكدس الضخم للأخبار والصور والأحداث التي تمر سراعاً أمامه، يحزن أم يفرح أم يأنس أم يغضب، أم يخاف، أم ماذا يفعل؟
هذه الفوضى الإخبارية إن جاز التعبير، هل تعد بإنسان متبلد، أو قوي، أو مجنون، أو غير مبالٍ ومهمل عاطفياً!
هل تلاحظون أن مرورنا على الأخبار مرور سريع حتى أن الصور تتلاشى فوراً، وننسى ماذا رأينا، هل نشعر بما نرى؟ هل نشعر بما نقرأ؟ وإذا شعرنا كم يستمر ذلك؟ هل كان بنفس مشاعرنا القديمة التي تسحبنا إليها وتجبرنا على التفاعل معها.
هل مشاعر الإنسان أمام هذا السيل الجارف من الأخبار والصور مرضت، أم ماتت، أم أنها أصبحت من القوة أن لا تتحرك، أم أنها يبست وجفت!
لست ضد التقنية، لكن أن يتحول الإنسان إلى آلة من لحم ودم، لا يفرقه عن الآلة التي يستخدمها إلا النبض، فهذا وضع يستحق الدراسة والانتباه، قبل أن يأتي يوم نعالج فيه الإنسان ليعود إنساناً.