د. علي بن فايز الجحني
دخل النظام الإيراني مبكرًا في صفقات واتفاقات مع الجماعات الإرهابية جعلته أولًا في مأمن من الهجمات الإرهابية، وثانيًا أسهمت في جعل كثير من الدول تكتوي بنار الهجمات الإرهابية، ومنها دول مجلس التعاون، وقد بدأت تتكشف الحقائق التي أشار إلى بعض منها التائبون من هذا الفكر من أمثال أبو حفص الموريتاني الذي كان يشغل منَظِّرًا ومفتيًا لتنظيم القاعدة، ومن الدلائل على ذلك ما يأتي:
أقام «أسامة بن لادن» في السودان بين عامي 1992م - 1996م مع عدد من كبار مساعديه، منهم «سيف العدل» القائد العسكري للتنظيم. وخلال مدة إقامة بن لادن في السودان، وكما تشير بعض الدراسات، تم إبرام اتفاق بين رجال العمليات في «القاعدة» وإيران على التعاون، وعلى إثر ذلك أقام بن لادن مراكز للتدريب في مزارع في السودان للتمويه تحت غطاء منظمة (جهاد الإعمار) التابعة للحرس الثوري، وبإشراف من الجنرال الإيراني «محمد باقر ذو الفقار»، وبعد وقت قصير بدأ عناصر من «القاعدة» في السفر إلى إيران للتدريب على المتفجرات، وفي نهاية عام 1993م ذهبت مجموعة أخرى من «القاعدة» إلى وادي البقاع في لبنان للتدريب على المتفجرات والاستخبارات والأمن. وقد أشار واضعو تقرير الحادي عشر من سبتمبر إلى أن بن لادن أظهر اهتمامًا خاصًّا بتعليم رجاله كيفية استخدام الشاحنات المفخخة من النوع الذي أدى إلى قتل (241) من رجال المارينز الأمريكيين في بيروت عام 1983م. وكان قد بدأ في تلك الفترة تقارب أكثر بين «أيمن الظواهري» و»أسامة بن لادن»، وتوافرت أدلة على اجتماع جمعَ مندوبين من الحرس الثوري و»الجهاد» الفلسطيني، و»الجهاد» المصري، وحزب الله اللبناني، ومسؤولًا رفيعًا من حماس، ومبعوثًا من بن لادن، وأحد مساعدي «حكمتيار» وتوصلوا في ذلك الاجتماع إلى أن تضع تلك المنظمات خلافاتها جانبًا للتركيز على هدفها المشترك، وهو محاربة أمريكا وإسرائيل، ودول الاعتدال في الشرق الأوسط، ويقال: إن «بن لادن» و»حكمتيار» حضرا هذا الاجتماع لأهميته، وفي عام 1998م: نفذت «القاعدة» هجومين متزامنين على السفارتين الأمريكيتين لدى كينيا وتنزانيا بأسلوب حزب الله نفسه (الشاحنات المفخخة)، ما أدى إلى مقتل (224) مدنيًّا، عدا الجرحى، ووجه الاتهام في الهجومين إلى بن لادن ومقربين منه.
ثبت أمام القضاء الأمريكي أن النظام الإيراني ضالع في أحداث الحادي عشر من سبتمبر - كما مر بنا -، الأمر الذي جعل محكمة فيدرالية أمريكية تقرر تغريم إيران عشرات المليارات من الدولارات بسبب تورطها في دعم منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، ولذلك فإن ما قضت به المحكمة الأمريكية على يد القاضي «جورج دانيلز» من أحكام تجرِّم إيران تثبت بما لا يدع مجالًا للشك تورطها في هجمات سبتمبر طبقًا لما نشرته صحيفة «بلومبرق بزنس»، وهو ما كان يدور في أذهان من يعرف بواطن الأمور منذ لحظة وقوع الحادث المشؤوم، وهو الحادث الذي ما زالت آثاره ونتائجه ماثلة حتى الآن مع مرور سنوات عليه. وكان قد حكم القاضي الأمريكي بتغريم إيران (7.5) مليارات دولار لصالح شركات تأمين وأسر ضحايا الحادث، وكذلك دفع (3) مليارات دولار أخرى لشركات تأمين مقابل الأضرار التي لحقت بالممتلكات، أو تسببت في التوقف عن العمل بسبب تورط النظام الإيراني في الإرهاب، وفي هذه المرحلة قد تتجاوز العقوبات (21) مليار دولار وفق آخر التقارير في هذه المرحلة، والقادم أكثر.
ويجدر بالذكر أن من حيثيات القضاء الأمريكي ومسوغات إصدار الحكم ما تم تناوله عبر وسائل الإعلام من «أن إيران عجزت تمامًا عن إثبات براءتها من مساعدة الإرهابيين الذين نفذوا تلك العملية الإرهابية الشنيعة في سبتمبر2011م»، وهو ما اعترف به نائب الرئيس الأمريكي السابق «ديك تشيني» الذي كشف منذ بضعة أشهر عن ضلوع إيران في تلك الهجمات، علمًا بأن الإدارة الأمريكية السابقة والحالية تعلم تمام العلم ضلوع إيران في الحادثة، وأحداث إرهابية أخرى، ومع ذلك وقعت أمريكا وحلفاؤها على الاتفاق النووي (5+1) وملحقاته، متجاهلة ما يقوم به هذا النظام المناهض للشرعية الدولية من أعمال إرهابية وتدميرية طالت آلاف الأبرياء، بل ملايين الأبرياء في العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن وأمريكا.. وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وغيرها، من أجل السعي إلى الهيمنة، ونشر فكر «ولاية الفقيه» بالإرهاب والطائفية.
تورط نظام ولاية الفقيه وعملائه في تأسيس مسرحية ما يسمى «الدولة الإسلامية» داعش في العراق، حيث عمدت القوات العسكرية العراقية إلى الانسحاب قبل ثلاث سنوات من الموصل بشكل مريب، وبناءً على أوامر المالكي وأعوانه والموالين لإيران، ثم عمدوا إلى تأسيس تنظيمات داعشية شيعية، وها هي الجيوش الحديثة وقوات التحالف الدولية تنقض على «البغدادي وتنظيمه الداعشي» بعد أن أوجدوا عشرات المليشيات الإرهابية الشيعية مما يسمى الحشد الشعبي.
وستطوى صفحة داعش الإرهابية؛ ليبدأ مسلسل الحشد الشعبي الإرهابي والدواعش الجدد، وتحت مسميات جديدة، وسيستمر المسلسل إلى وقت ليس بالقصير؛ لأن الرأس المدبر ومن كان وراء وجود تلك المنظمات الإرهابية ليس حفنة من الإرهابيين في الموصل، بل ملالي إيران بالتعاون مع مخابرات بشار الأسد، ومن لفَّ لفهم، ولكن مع مرور الوقت ستظهر الحقائق. وبمجيء الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب أدرك صناع القرار في الولايات المتحدة أن النظام الإيراني نظام مارق يجب وقف نشاطاته الإرهابية.
وفي هذا السياق يقول خادم الحرمين الشريفين في كلمته أمام مؤتمر القمة العربية الإسلامية الأمريكية، الذي عقد بتاريخ 25-8-1438هـ: «إننا جميعاً شعوباً ودولاً، نرفض بكل لغة، وندين بكل شكل الإضرار بعلاقات الدول الإسلامية مع الدول الصديقة، وفرز الشعوب والدول على أساس ديني أو طائفي، وما هذه الأفعال البغيضة إلا نتيجة محاولات استغلال الإسلام كغطاء لأغراض سياسية تؤجج الكراهية والتطرف والإرهاب والصراعات الدينية والمذهبية، كما يفعل النظام الإيراني والجماعات والتنظيمات التابعة له مثل حزب الله والحوثيين، وكذلك تنظيمي داعش والقاعدة، وغيرها، فالنظام الإيراني يشكل رأس حربة الإرهاب العالمي منذ ثورة الخميني وحتى اليوم، وإننا في هذه الدولة منذ 300 عام لم نعرف إرهاباً أو تطرفاً حتى أطلت ثورة الخميني برأسها عام 1979م».
ويقول - حفظه الله - في تحديد مكامن خطر الإرهاب على كل المستويات: «لقد رفضت إيران مبادرات حسن الجوار التي قدمتها دولنا بحسن نية، واستبدلت ذلك بالأطماع التوسعية والممارسات الإجرامية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ضاربةً بالقانون الدولي عرض الحائط، ومخالفةً مبادئ حسن الجوار والعيش المشترك والاحترام المتبادل، وقد ظن النظام في إيران صمتنا ضعفًا، وحكمتنا تراجعاً حتى فاض بنا الكيل من ممارساته العدوانية وتدخلاته كما شاهدنا في اليمن وغيرها من دول المنطقة، نقول ذلك ونحن نؤكد في الوقت ذاته ما يحظى به الشعب الإيراني لدينا من التقدير والاحترام، فنحن لا نأخذ شعباً بجريرة نظامه، لقد عانت المملكة العربية السعودية طويلاً، وكانت هدفاً للإرهاب، لأنها مركز الإسلام وقبلة المسلمين، ويسعى الفكر الإرهابي لتحقيق شرعيته الزائفة وانتشاره من خلال استهداف قبلة المسلمين ومركز ثقلهم، ولقد نجحنا - ولله الحمد - في التصدي للأعمال الإرهابية وأحبطنا محاولات إرهابية كثيرة، وساعدنا الأشقاء والأصدقاء في دول العالم في تجنب مخططات تستهدف نسف أمنهم وتدمير استقرارهم».. (جريدة الرياض العدد 17864، ص4).
إن هذه الكلمة لخادم الحرمين الشريفين أمام القمة العربية الإسلامية الأميركية وضعت منهجاً صريحًا في التصدي للإرهاب، بعد تحديد مصدره الذي يتمثل في النظام الإيراني الراعي الأول للإرهاب في العالم تخطيطاً وتنفيذًا ورعاية وتمويلاً، كما تشير الدلائل والأحداث والوقائع؛ فالممارسات الإرهابية الإيرانية واضحة أكدها الدستور الإيراني الذي ينص على تصدير الطائفية والمذهبية والإرهاب، وما يلحق بها من دعم وتمويل للتنظيمات والمليشيات الإرهابية وتوفير الملاذات الآمنة لها، فضلاً عن ما جاء في لوائح وأنظمة الحرس الثوري ومؤسساتها السرية، ووصايا وفتاوى الخميني وأتباعه، وتصريحات ونظريات منظري رموز الشر.