فهد بن جليد
الأغنياء وحدهم يعتقدون أنَّ الأنانية فضيلة لإسعاد أنفسهم والحفاظ على الثروة بدلاً من تبديدها من أجل تخفيف مُعاناة الآخرين، فهم لا يفضلون عادة فكرة الظهور وكأنَّهم (مُنقذو العالم) من حولهم، بعكس التفكير الذي يشعر به الناس العاديون كأحد أسرار إعاقة لحاقهم بنادي الأغنياء وتحقيق حلم الثروة.
على الأقل هذا ما أخبرنا به ستيف سيبلد مؤلف كتاب ( كيف يفكر الأغنياء ) والذي أمضى لتأليفه ثلاثة عقود في إجراء المُقابلات مع الأثرياء من جميع أنحاء العالم , وتوصَّل حينها لقاعدة - الثراء لا علاقة له بالمال بقدر علاقته بطريقة التفكير - ولعلَّ الحديث هنا ينصبُّ حول الأنانية تحديداً واختلاف التفكير حولها بين العيب والفضيلة , عندما تفكر الطبقة الوسطى عادة بضرورة أن تكون سعيداً بما لديك وتسعد به من حولك , وهو ما يجعلهم في المُنتصف دائماً وربما هبطوا بسبب مد يد العون للآخرين ليصبحوا كادحين مثلهم لبعض الوقت, بينما الأغنياء يؤمنون بالأنانية الإيجابية كحق مُكتسب يجعلهم أغنياء دوماً , نتيجة ذكائهم وصبرهم ومُثابرتهم ونجاحهم كفضيلة يستحقونها.
الغرب يتداولون مُصطلح (Selfish) كمُرادف للنجاح , والمقصود به اعتنِ بنفسك أولاً ودع غيرك يفعل ذلك لاحقاً , أي أنَّ الوصول للقمة يتطلب حبك لذاتك ونفسك أكثر من أي شيء آخر حولك حتى تحقق أحلامك وتصل لأهدافك أنت وحدك , باستغلال كل الفُرص أمامك بشكل كامل - في العمل في المنزل في الشارع في كل مكان تقريباً - بعيداً عن فكر العاطفيين بالنظر لحاجات الآخرين ومُراعاتها , كون ذلك يتسبب بتعثرهم في طريق الثراء والنجاح , وربما تعطل مشاريعهم وأحلامهم , قد تبدو الفكرة جائزة في - المذهب الغربي - نتيجة استقلال الأفراد حتى في التفكير هناك , عكس مُجتمعاتنا المُسلمة وثقافتنا العربية المُتماسكة والمُتداخلة وأن أطلق بعضنا مجازاً على الأناني لقب ناجح وثري .
دائماً هناك تخوف لدى الناس العاديين على سعادة عائلاتهم ومدى التماسك الأسري بينهم، وكذلك مدى نجاح صداقاتهم بالآخرين، فهم يرون غالباً أنَّ الأنانية - خصوصاً في المال والوقت - سبباً لانهيار هذه العلاقات الاجتماعية وخسارتها، لذا يرون الإيثار خصوصاً في المال مطلباً رئيساً للحفاظ على هذه الصورة الجميلة، مع تنامي هاجس الاختيار بين العائلة السعيدة وبين المال، بينما الأغنياء يدركون أنَّه بإمكانك الحصول عليهما معاً.
مُنذ القرن التاسع عشر وهناك جدل واسع حول أشكال الأنانية وأنواعها كفلسفة أخلاقية مقبولة لدى شريحة من الناس، وربما كانت في حياة بعضنا اليوم فضيلة دون أن يشعر لأنَّه لا يرى إلا المال ولا يؤمن إلا بمشاعره فقط.
وعلى دروب الخير نلتقي.