د. خيرية السقاف
كاد رجل شائب أن يُسحق تحت عجلات سيارات مارقة في دربها الفرعي بعد أن هرول نحو قطعتين معدنيتين سقطتا من يديه فاتجهتا لهناك..
توقفت العربة الثانية بهدوء، فيما حاد بمركبته عن الدرب بقوة سائق الأولى، ثم خرج يصرخ نحوه: مجنون أنت، كدت أن تموت، وتوقعني في جرمك يا أحمق؟ ولم ينتظر..
أما الآخر صاحب العربة الثانية فقد اقترب منه يسأله بلطف عن السبب، ويده في جيبه،
أخرج منها رزمة نقود ورقية ثم دسها في جيب الشائب المرتجف من الموقف، وهو يربت على كتفه، ويمضي به بعيداً عن المكان بيده الأخرى، يتمتم إليه بكلمات باسمة، يهدئ من روعه، ويقلب معه رياليه المعدنيين في دعابة، وبعد أن اطمأن لسلامته، اتجه منفرداً نحو عربته في هوينى، ثم قبل أن يقودها ألقى السلام إليه، ومضى!!..
تحدرت من عيني الشائب المرتجف الدموع، وهما تتبعان ذا الرحمة الخلوق..
أخذ بظاهر كف يمسح دموعه، ودس الأخرى في مخبأه، ثم بسرعة أخرج النقود الورقية التي وضعها ذلك فيها، قلَّبها كثيراً، عدَّها مراراً، في كف وضعها، وفي الأخرى حمل القطعتين المعدنيتين، ذهب يحركهما كما كفتي الميزان، ودموعه لا تزال تتحدر بقوة..
كنت في عربتي في الدرب ذاته تلك اللحظات..
شهدت الموقف في حينه..
مضيت في خاتمته..
وكأنما نهر دموعه الجارف قد أمدني بجدول من نبعه!!..