د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
حظرت المملكة استيراد جوافة مصرية بسبب تلوثها ببقايا مبيدات تشكل خطر على حياة المستهلك. وتشكر هيئة الغذاء والدواء على مراقبتها الدائمة لما يفد للبلاد من مستوردات سواءً من غذاءٍ أو دواء. فلسموم المبيدات آثار غاية في الخطورة على صحة الإنسان، ولها أيضًا آثار أخرى اقتصادية واجتماعية عميقة. وكانت المملكة إلى عهد قريب نسبيًا خالية من كثير من الأوبئة والأمراض الخطرة كوباء الكبد الفيروسي، والفشل الكلوي، والسرطانات بمختلف أنواعها التي نشاهدها اليوم تفتكك بكثير من المواطنين وتشكل عبئًا ضخمًا على نظامنا الصحي والاقتصادي والاجتماعي.
ورغم نشاط هيئة الغذاء والدواء، وأمانات المدن مؤخرًا في مداهمة كثير من المحلات والمصانع التي تصنع الأطعمة المغشوشة المقلدة المخلوطة بكثير من الأصباغ والمنكهات والسموم التي صدم المواطن لمجرد معرفة وجودها في مجتمعنا، إلا أن هناك الكثير مما يجب عمله في مراقبة أسواق المواد الغذائية وخاصة الخضار، والورقيات والتمور التي تسرح وتمرح فيها عمالة سائبة تجهل أو لا تكترث بما يصيب المواطن من جراء استهلاكها. فالمواطن المسكين لا يستطيع تفريق هذه الخضار المسمومة من الخضار الجيدة حيث تباع بدون فحص أو تحديد لمصدرها. فالمنتجات تختلط ببعضها في مكان واحد دونما تفريق. ولذا نحتاج، إضافة لمراقبة ما يفد لنا من طعام ودواء من الخارج، للكثير من المراقبة والعمل لما ينتج في الداخل أيضا.
وظهرت مؤخرًا تقارير مصورة عديده توضح زراعة الورقيات والخضار الأخرى في أماكن تجمع مياه الصرف الصحي في وضح النهار وعلى مرأى من الجميع. وتمارس هذه الأنشطة عمالة وافدة تعيد تسويق منتجاتها في أسواق الخضار الرئيسة على أنها قادمة من مناطق أخرى نظيفة. والقضية لا تتوقف هنا، فهذه المنتجات ترش أيضًا بمبيدات رخيصة جدًا تحتاج لفترات تحريم طويلة لا يكترث لها العاملون إما لجهل أو لعدم اكتراث. والنتيجة خطر محدق مركب قد يقضي على حياة المستهلك بأسواء الطرق. فمراقبة أسوقنا لا تقل أهمية عن مراقبة منافذنا الخارجية.
أمراض مثل وباء الكبد الفيروسي أو السرطان تنتشر في الغالب لأسباب بيئية، ولدى كثير من مستشفياتنا احصائيات توضح تفاقم أعداد المصابين بها مؤخرًا لأسباب تتعلق في معظمها بتزايد السموم في طعامنا. وكثير من العمالة التي ترى في بلدنا مغامرة العمر لجني المال، تضع المال في أولى أولويات اهتمامها ولا تكترث بما يصيبنا من جراء ما تسوقه لنا. العامل الأمي البسيط الذي يزرع خضار في أحواض مياه أسنة مقززة، ويرشها بمبيدات سامة قاتلة لا يحمي نفسه هو أيضًا من أضرارها، وكثير منهم يعود لبلده ببعض المال وكثير من الأمراض. وهو، لسطحية ثقافته، لا يستطيع تخيل الألم الذي يعانيه من يصاب بالفشل الكبدي أو الكلوي أو السرطان بسبب منتجاته، ولا يعي الفقد والحزن الذي يصيب ذويه وأبناءه من فيما بعد.
كلفة الملوثات الغذائية سواءً البيولجي منها أو الكيماوي، تتجاوز أيضًا كلفة العلاج المكلف المطول في مستشفياتنا، إلى جوانب اقتصادية أخرى منها فقدان كثير من كوادرنا البشرية، وتشتت بعض الأسر بسبب غياب معيليها، وانتشار أمراض نفسية نتيجة كالاكتئاب المزمن وغيره لفقدان الأقارب والأصدقاء. والمواطن يعيش حالة قلق دائم مما يستهلك من أسواق خضارنا غير المراقبة. وبالطبع هناك مبادرات فردية شحيحة ومتفرقة لمراقبة بعض المنتجات، وهناك منتجات عضوية صحية غير أن أسعارها متضخمة وخارج متناول المواطن العادي. وحتى لو انتقى المواطن ما يشتريه مباشرة من الأسواق إلا أن المنتجات الملوثة قد تصل مائدته بواسطة المطاعم والمطابخ التي تبحث دائمًا عن أرخص المكونات من السوق. ولا ننسى الكلفة المائية الكبيرة الأخرى لمحاولة تجنب هذه المنتجات، فكثير ممن لديهم القدرة المادية اتخذوا لأنفسهم مزارع صغيرة لإنتاج ما يحتاجونه من هذه الأطعمة، وهي مزارع متفرقة وإنتاجها لا يقارن بالمياه المهدرة فيها.
فلا بد من حملة وطنية كبيرة على هذه البؤر التي تسقى بمياه ملوثة بمنعها نهائيًا، ووضع غرامات رادعة لمن يخالف المنع، وكذلك توعية العامل الذي يعمل في المزارع بلغته الأصلية بمضرة هذه المبيدات على صحته هو قبل صحة غيره. ونتمنى حظر نهائي على استيراد المبيدات الزراعية عالية السمية التي تحتاج لفترات تحريم طويلة ليتجه المزارعون للمبيدات البيولوجية الصديقة للبيئة. وهذا بالطبع لا يغني عن إنشاء مختبرات فعّالة لمراقبة الأسواق. فمع شكر هيئة الغذاء والدواء على حمايتنا مما يفد لنا من الخارج، نتمنى أن تُدعم لتراقب ما يفد لأسواقنا من الداخل.