د.عبدالعزيز الجار الله
عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، والتاريخ لا يعيد نفسه، والأرض لا تعكس دورتها، وإن كان محور الأرض قد يتحرك ببطء، ما يحدث في العالم العربي وفِي دائرة أكبر الشرق الأوسط عشية سنة 2018م أشبة بعشية نهاية الحرب العالمية الأولى 1918م، وعشية تقسيم دول وأراضي الخلافة العثمانية عام 1924م وعشية انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م التي شهدت تحرّر الدول العربية.
هذا التقارب بالحدث والتشابه بالمشهد التاريخي، مع التأكيد أن التاريخ لا يعيد نفسه يجعلنا نقرب الصور من التواريخ الثلاثة:
أما إعادة تقسيم جديدة للعرب والشرق الأوسط وهي صورة مبالغة.
أوهي ترتيب حدود وإعادة انتشار وتموضع وهو الحل الوسط.
أو هي نهاية حقبة استعمارية للمنطقة العربية وانكفا غربي وهو تفاؤل ربما مفرط.
الله وحده يعلم إلى أين تتجه الأحداث، بعد أن دخلت القوى العظمى متنافسة أمريكا وروسية، ودول إقليمية العرب وتركيا وإيران وأوروبا من طرف خفي، وكأننا نعود للتوازنات السابقة للحربين العالميين دول الحلفاء ودول المحور لكن مع تغيير في أسماء الدول.
الصورة المتفائلة صورة الانكفاء للدول التي أصبحت الدول الحاكمة أمريكا وروسيا دول حدودية للدول العربية، فلا أمريكا قادرة في الوقت الراهن ومن خلال تجربة طويلة في أفغانستان والعراق أن تحل الأمور في الشرق الأوسط على طريقة احتلال كامل للعراق والإطاحة بالرئيس العراقي وتغيير النظام وجعل العراق بلداً محتلاً، ولا روسيا قادرة أن تمحو سورية وتجعلها بلداً محروقاً كما هو في الشيشان وحرق عاصمته غروزني وجعلها أرضاً محروقة وضمها عام 1999- 2000م، والأقرب هنا الانكفاء ثم الابتعاد لأن قضايا الشرق الأوسط بالعرب والإيرانيين والترك والقوميات المتعددة والقابلة للتفكك في إيران وتركيا والعراق وسورية، والصراع المذهبي سيضع الغرب في فخ الحروب الطويلة والانغماس في حبائل وشرائك لا خلاص منها.
إذن هل نشهد حلول للمشهد بلا مذابح، وإعادة ترتيب مرضية بعد أن تأكد لأمريكا أن اللعبة أكبر من أحجار العراق التي كانت تحركها، وأن روسيا أدخلت أيديها في مياه الشرق الدافئة والحارقة، وأنها استنزفت نفسها في سوريا وينتظرها استنزاف في أوكرانيا وأوروبا وآسيا الوسطى، وأن إيران ثورة شعبها في الداخل أصابها بكارثة وأزمة حكم وبوادر تقسيم، وأن تركيا تجرجر بنعومة إلى مستنقع حرب سورية ووحولة الأرض الطينية اللزجة التي إن لم تتقسم أكرادها ستغرق في حرب طويلة، ومن وراء المشهد الضبابي هل يكسب العرب؟