عبدالعزيز السماري
تُقاس الأمم بمعدلات التعليم والإنتاج والعمل، وإذا انتشرت الجهالة في أمة، فقل عليها السلام، فالجهل داء خطير، وتؤدي هيمنته إلى ضياع مقدرات الأمم، ولهذا يعد التعليم وتأهيل الإنسان خط الدفاع الأول ضد شرور الجهالة وأخطارها، ولكن ما هي الجهالة وما هي سماتها؟
العلم حضور صور وتفاصيل للأشياء في الذهن، وهو القدرة على بناء حوار عقلاني بدون عنف أو انفعالات، بينما الجهالة تعني الهمجية والاندفاع نحو الحدية والتشدد بلا وعي وعقل، وعامة الناس يصفون من لا علم له في مسألة ما بالجاهل بالأمر، وقد تكون الجهالة داءً فتاكاً إن صاحبها كبرياء وغرور..
من أهم مبادئ العلم بروز ثقافة الأسئلة في المجتمع، التي تعني أن ثمة تغييراً في بنية الجهالة، وثورة الأسئلة نقيض الدوغمائية والأفكار المعلبة، التي عادة تعني سيطرة عقول قليلة على جميع العقول، ويظهر ذلك في المرجعيات الدينية والأحزاب الشعوبية والعرقية، وهي ظاهرة تتم فيها مأسسة الجهل لخدمة مصالح معينة.
من أهم مظاهر الوعي والعلم أن تنخفض معدلات العنف والجريمة في المجتمع، وهو الهدف المنشود في مختلف بقاع الأرض، لكن ذلك هدف لا يمكن أن يتحقق إلا برفع معدلات التعليم في مواجهة الجهالة، ويتطلب ذلك أولاً فرض التعليم العالي على الجميع، على تُقدم التسهيلات لأبناء الأحياء الفقيرة لإكمال مسيرتهم التعليمية..
أن يكون التعليم الجامعي أو الفني حدًا أدني للفرد في المجتمع، وأن يكون التعليم الجامعي حقًا للجميع، وأن ينال كل مواطن فرصة للتعليم الجامعي، وبعدها يختار مهنته سواء كان سائق سيارة أو مهنيًا أو مهندسًا أو غيرها، فتأسيس العقل في المرحلة الجامعية أساس تطور الإنسان في سبيل الوصول إلى مرحلة الوعي والأمن الاجتماعي..
ولهذا السبب يجب نشر الكليات والجامعات في مختلف مناطق البلاد، وفتح مراكز فيها لتقديم التعليم المستمر للذين تخلفوا عن ركب التعليم في عقود مضت، وهذا على وجه التحديد ما يُطبق في أمريكا الشمالية وأوروبا، وأن يتم رصد حالات التخلف عن التعليم في المراحل المبكرة من أجل سلامة العائلة والمجتمع.
أكبر موجه لحاجات التعليم هو تهيئة سوق العمل للمواطنين، وذلك بزيادة فرص العمل في الأسواق والمصانع، وهي علاقة طردية ونموذجية في خطط توجيه فرص التعليم، لكن الأزمة قد تسوء في حال استمرار سيطرة غير المتعلمين الأجانب على مصادر الرزق في المجتمع.
أصبحنا قريبين جداً من هذه المرحلة، فالحكومة بذلت الجهد والمال لرفع مستويات التعليم بين المواطنين، وبرامج الابتعاث نجحت في توفير كوادر بشرية مؤهلة، لكن صور الاختناق في نهاية الطريق تبدو واضحة، فسوق العمل يزدحم بالأجانب، وأعني بذلك أسواق التجزئة في مختلف المجالات، بينما تزداد أعداد المواطنين في معدلات البطالة.
أسهم التعليم في رفع معدلات العلم كنقيض للجهالة في عقلنة الأزمة في أزمة العمل والبطالة، وتلك أحد أهم حسنات زيادة معدلات التعليم بين الشباب، وهو ما يحولهم إلى كائنات مدنية غير مؤدلجة بتعاليم الجهالة والعنف والإرهاب..
لكن ذلك لا يكفي، فهم ينتظرون فك الاختناق في نهاية الممر، وحالة التعليم المستمر يجب أن يواكبها فرص عمل مستمرة، وذلك عبر إكمال مشروع توطين الأسواق والمصانع وفرص العمل كما حدثت بنجاح في أسواق الاتصالات والله ولي التوفيق.