إبراهيم عبدالله العمار
انظر لسؤال العنوان، ثم أجب: هل تثق بهما؟ هل تصدق كل ما ينقلانه لك؟ لو أن عينك قالت: إنها رأت سيارة فهل ستصدقها؟
أكيد، ولمَ لا؟ من الذي يشكك في بصره؟ تعوّد الناس أن يثقوا ثقة عمياء في بصرهم لدرجة أنه ضُرِب به المثل في المصداقية، فإذا نَقل الشخص خبراً فليس له تأثير أن يكون رأى الحدث بنفسه، فيقول: رأيته بهاتين العينين! وهذا يفترض أن يقطع كل تشكيك، لكن شيئاً فشيئاً نكتشف أننا قد أفرطنا في الثقة في أبصارنا، والعلم الحديث أظهر أنها ليست آلة تسجيل دقيقة لا تخطئ، بل هي ضحية سهلة للكثير من الظواهر والتحيزات، منها شيء يسمى عمى التغيير.
كلمة عمى التغيير هي مسمى يعني ظاهرة معينة، وذلك عندما لا ينتبه الناس للتغيرات في أشياء يشاهدونها بل حتى أشياء يركزون عليها ويحدقون فيها بحدّة. إن العين تتنقل كثيراً بين الأشياء، وإذا حصل تغيير بسيط أثناء هذه الانتقالات فربما لن تدرك ما حصل، والكثير من التجارب أثبتت هذا، ومن ذلك تجربة معروفة للعالمين دان سايمنز وداينيل ليفين صنعا مقاطع تُظهر أحداثاً بسيطة، وفيها يتغير الممثل من مشهد لآخر. استعانوا بستين طالبًا من جامعة كورنيل ليشاهدوا المقاطع ثم يكتبوا وصفاً لها. مثال لأحد تلك المشاهد: الممثل يجلس على مكتب، يسمع الهاتف يرن، يقوم ويمشي للباب، عندها ينتقل المشهد إلى الرواق، حيث يأتي ممثل آخر ويرد على الهاتف. أكثر الناس لا ينتبهون! يسأل العالمان الناس مباشرة: هل لاحظت أن الشخص الجالس على المكتب غير الشخص الذي رد على الهاتف؟ النتيجة أن ثلثي الناس لم ينتبهوا!
كانت النتيجة مفاجئة، لذلك قرر العالمان أن يخطوا خطوة أبعد من ذلك ويجربا هذا واقعاً، وتجربتهما الجديدة أن يذهبا للشارع ويطلبا من المارة أن يدلوهما على مبنىً قريب، وبعد 10-15 ثانية من الكلام يأتي رجلان معهما باب ويمران بين العالم وبين الشخص الذي يدله فيحجبان النظر. في هذه الثواني القليلة حيث حُجِب العالم عن الشخص الذي يدله يركض العالم ويختفي ويأتي مكانه شخص آخر أقصر منه وملابسة مختلفة وصوته مختلف، فماذا كانت النتيجة؟ أغلبية الناس لم يلاحظوا!
وهذه عامة وتنطبق على الكل، أي على الأرجح فإن الأغلبية ممن يقرؤون هذه المقالة الآن لن يختلفوا، وستجد نفسك مندهشاً وأنت لم تلاحظ تغيُّر أشياء كبيرة كهذه، وحينها تقول: «رأيت كذا وكذا بعينيّ هاتين» فأنت أول شخص سيشكك في هذه الشهادة!