د. محمد عبدالله الخازم
عندما أتحدث مع الزملاء أعضاء هيئة التدريس الجدد العائدين من البعثات، أجدهم يمرون بمرحلة صعبة، تذكرني بتجاربنا حينما كنا في وضعهم. نبدأ بمعاناتهم المادية والاجتماعية، حيث يعودون وهم (على الحديدة) كما يقال؛ مطلوب منهم مصاريف عديدة والتأقلم مرة أخرى مع المجتمع الذي غابوا عنه سنوات. أعتقد أن مسؤولية الجامعة الاجتماعية تفترض أن تساعد عضو هيئة التدريس العائد من البعثة بقروض ميسرة أو وسيلة نقل مؤقتة أو أي فكرة تساعده على الحياة الجديدة.
بعد ذلك تبدأ المعاناة المهنية. فبعد أن كان المبتعث طالباً يجري بحوثه متفرغاً وتحت إشراف أستاذه، يجد نفسه فجأة يعوم وحيداً في فلاة الأكاديمية دون دعم ومساندة كافية. فجأة مطلوب منه القيام بأبحاثه مستقلاً، والتدريس وفق اجتهاداته الشخصية، وتعلم العوم في صراعات ومكائد الأساتذة والإدارة والموظفين. لا أدلة وظيفية ولا قوانين تفصيلية واضحة - في أغلب الجامعات- ولا دعم (لوجستي) واضح، بل عليه الاجتهاد والتعلم وفق اجتهاداته وأقاويل من حوله. هذا إذا افترضنا أن أموره سارت كالمتوقع ولم يجد مشاكل مع الإدارة التي تخصم من راتبه والكلية التي أخرت رفع معاملة تعيينه والمجلس العلمي الذي أعاد معاملته بسبب نموذج شكلي...
كنت سأكتب عن القوانين وجمعيات الأساتذة ووحدات دعمهم.. لكن المساحة لا تتسع لذا اكتفي باقتراح ما يُعرف ببرنامج (مينتورشيب) وهو يختلف عن الإشراف أو الإدارة المباشرة - يترجمه البعض ببرنامج الناصح أو التناصح، لكني أُفضل مصطلح التزامل- وفكرته الرئيسة هي تزامل عضو هيئة التدريس الجديد مع زميل صاحب خبرة أكبر في المؤسسة الأكاديمية، حيث يصبح العضو صاحب الخبرة هو الزميل الأكبر، ويصبح العضو المستجد هو الزميل الأصغر (ليس بالضرورة الأصغر في العمر ولكن الحديث في التجربة)؛ ليوفر الزميل الكبير الدعم المعنوي والمهني اللازم لزميلة الجديد ليكتسب الخبرة، وليتعرف على النظم ويتأقلم على الأدوار والمهام الجديدة المطلوبة منه. هذا الأمر يساعد العضو الجديد على اكتساب الخبرات من الخبراء الحقيقيين، ويسهم في الحفاظ على شخصية المؤسسة ومفاهيم العمل بها ونقلها من القدماء إلى الجدد وفق طريقة سلِسة ومرنة، وفي الوقت نفسه تعميق التعاون وتبادل الخبرات والمودة بين الأجيال العاملة بالمؤسسة. أهم عنصر هنا هو اختيار أعضاء أصحاب خبرات وقدرات شخصية على مساعدة الآخرين والأخذ بطريقهم نحو النجاح؛ ليكونوا الزملاء الأكبر للأعضاء الجدد من أعضاء هيئة التدريس.
هذا المفهوم شائع لدى المنظمات المتقدمة وحتى رؤساء ومديري المؤسسات الكبرى يستفيدون منه، ويتحولون إلى زملاء أصغر لموظفين آخرين في مجال معين. مثال؛ في المجال التقني فوجئ بعض المديرين بوجود تقنيات حديثة تتطلب فهمها وتبنيها وليس بمقدورهم معاداتها. في هذه الحال نجد مدير مؤسسة كبرى يستعين بأحد موظفي قطاع التقنية بمؤسسته؛ ليكون الزميل له في هذا المجال، يشرح له الخلفيات التقنية وطرق الاستخدام وغيرها من الأمور ذات العلاقة بالاستخدام واتخاذ القرار، لصعوبة الالتحاق ببرنامج تدريبي رسمي في هذا المجال لمن هو في المستوى والمسؤوليات نفسيهما. أتمنى أن تؤسس جامعاتنا لهذا المفهوم مع أعضاء هيئتها التدريسية الجدد.