مها محمد الشريف
لا تأتي المراهنة على أن يكون اللاعبون الإقليميون والكبارفي سوريا يتبادلون الاتهامات على جوانب بعضهم البعض، إلا حين يرى المراقب اضطلاعهم بمهام غير منظمة وغير عقلانية، والمساحات التي يشغلونها تتكون من كتائب وفيالق وجزء أمامي من الجيش وفواصل أخرى، وأوامر من واشنطن جعلت الجيش التركي يضطر للتحرك لمنع إقامة دولة كردية تتقاسم الحدود معه، وفي الجوار طابع إشكالي يدعو إلى استنزاف الأتراك بالكرد مما جعل أردوغان يبيع حلب وإدلب مقابل تحجيم الكرد، وبالمقابل يتم الضغط من وزير خارجية روسيا لافروف على جميع الأطراف لتحفيز عمل الأمم المتحدة في موضوع تسوية النزاع السوري، وعن «تركيبة وفد المعارضة» إلى جنيف.
فإذا كان الاضطلاع بالالتزام كمسؤولية تقوم بها موسكو، فلماذا تتجدد المعارك ضد الشعب والمعارضة والوقوف مع النظام السوري جملة وتفصيلا؟، تحركات كثيرة حرة الدوران في الاتجاهات الأربعة، تخوض تسويات لبثها عبر الشبكات الإعلامية لم تنفذ على أرض الواقع من أجل المعارضة بل ضدها مما أدى إلى فشل الخطوة السياسية في مؤتمر جنيف، حيث قال وزير الخارجية الروسي: «أن الحديث لا يدور حول المعارضة التي تقف مباشرة ضد النظام»، ودعا إلى مشاركة القوى التي ليست طرفاً في النزاع في المفاوضات، وقال إن «مؤتمر سوتشي يرمي إلى إشراك المعارضة الموجودة داخل سوريا في العملية السياسية».
بهذه الخطوة تم سحب «ممثلي العشائر التي تعيش بسلام، إلى واجهة الأحداث ليكونوا طرفا في التقسيم، مؤكدا لافروف على دورهم في التركيبة السكانية التي لم تشهد مناطقها مواجهات مسلحة، والتي، إن تحدثنا بدقة، ليست طرفاً في النزاع». وأكد أن «مؤتمر سوتشي بكل الأحوال يرمي إلى مساعدة المفاوضات في جنيف».
و»سيتم توسيع دائرة المشاركين كي تحظى الإصلاحات الدستورية وآليات إجراء الانتخابات بتأييد فعلي من الشعب السوري»، وشدد على أن «الأكراد جزء من الشعب السوري، ولا بد من مراعاة مصالحهم في العمل الحالي حالياً. بينما تركيا تعد العدة لهذا البند في قائمة موسكو، بما في ذلك في التحضيرات لمؤتمر الحوار السوري في سوتشي»، من هنا بدأت تركيا تعزيزات عسكرية في طريقها إلى الحدود مع سوريا.لاشيء يُذكر غير سياسة متهورة من أردوغان، وها هو عام جديد تحتدم فيه النزاعات والتهديدات السياسية بين أردوغان وواشنطن بعدما قررت تسليح وحدات حماية الشعب الكردية التي تشكل العمود الفقري لقوات سورية الديمقراطية.
ولم تحقق روسيا الحياة الآمنة التي وعدت بها الشعب السوري، وكذلك الحال مع واشنطن التي التزمت بتحقيق «الانتقال السياسي» في سوريا. لاشك أن الدول الثلاثة مؤثرة في استقرار وأمن سوريا وبقاء نظام بشار أهم نتائج التنافس بين إيران وتركيا وروسيا. أقطاب ودول متعددة تهيمن على المشهد السياسي وحاضرة عبر التاريخ حيث أصبحت كل دولة منهم تسيطر على مساحات واسعة من أرض سوريا، بزعم تحقيق السلام وحل النزاع العالمي.
لهذا السبب ستظل روسيا تلعب جميع الأدوار بضوء أخضر من واشنطن، وسيواجه الحزب الكردي قصفا مكثفا من القوات التركية على عفرين الآمنة المسالمة وتعريض مليون نسمة للهلاك والتهجير، فالأرض تحكي قصة الظلم ورعب الموت؛ فمن شروط الأمم على الدول المستعمرة والمحتلة بقاء الإنسان والأرض وهو أضعف الإيمان، ومطالبة المجتمع الدولي بحمايتهم، فالمنطقة باتت حقلا لتجاربهم العسكرية وأسلحتهم النووية، وعلى مجلس الأمن إخماد شرارة الخلاف بين واشنطن وموسكو وأنقرة. فجميع الأطراف لن تقدم للشعب السوري سوى الدمار والقتل ولن تدافع عن مشروعية مطالبه أوالتقيد بها، وليس هناك سوى التقسيم والمغالطات بعواملها المعتمة، كما جاء في خفايا القرار السياسي.
باختصار.. المنطقة ستبقى وفق ما يريدون في الفضاء السياسي الذي يحفظ مصالحهم واجتماعاتهم العمومية، ولن تظهر إلا شجاعة المناصر وصمت المعارض المحكوم عليه بالبقاء في محيطه الإقليمي وفضاءات النضال الحزبي فقط، وترك المواقف الأكثر وحشية للكبار.