د.عبدالعزيز العمر
عندما يكون التعليم مجرد هياكل وبنى مؤسسية ومجموعة من اللوائح والنظم والتشريعات، فهو عندئذ سيكون تعليما جامدا (أعمى) لا روح فيه، ومن جهة أخرى، عندما يكون التعليم مجرد مجموعة من القيادات النافذة التي تسير التعليم وتوجهه بحكم صلاحيتها التنفيذية وقدراتها الكاريزمية، فالتعليم عندئذ سيكون تعليما تطغى عليه التبدلات والتراجعات والتقلبات المفاجئة. من المهم أن نعرف أن مجرد وجود تنظيم مؤسسي تعليمي نوعي ومتماسك وفعّال لا يعني بالضرورة أن التعليم سوف يتطور ويتقدم. الواقع أن تطوير التعليم يتطلب وجود مزيج كيمائي محسوب من (تنظيم مؤسسي) فعّال و (قياديين) فاعلين، فشرارة تطوير التعليم تتطلق غالبا بنفحة أو بمبادرة شخصية تصدر عن قائد تعليمي ملهم وذي رؤية مستقبلية تقدمية وطموحة، ليتولى النظام التعليمي المؤسسي المتميز بعد ذلك احتضان تلك المبادرة التطويرية ورعايتها وتقويمها وتوفير البئية المناسبة لنجاحها. ومما يجدر ذكره أن النظام التعليمي المؤسسي قد يكن مرنا وشفافاً ومفتوحا وفعالا، لكن مثل هذا النظام التعليمي المؤسسي الجيد قد يبتلى بقيادات قصيرة النظر لا ترى في الإمكان أحسن مما كان.
الذي يبدو لي شخصيا أن تعليمنا شهد في عقوده السابقة حضورا طاغيا للأشخاص (القيادات التعليمية) على حساب الحضور التنظيمي المؤسسي، سواء كان ذلك على مستوى مؤسسة وزارة التعليم أو إدارة التعليم أو حتى المدرسة. ونتيجة لذلك شهد تعليمنا كثرة وتنوعا في المبادرات التعليمية التطويرية المطروحة، قابل ذاك عجز مؤسسي واضح في توفير فرص نجاح تلك المبادرات، أو حتى في تقويم مدى نجاح تلك المبادرات التطويرية، مما أدّى في النهاية إلى فشل كثير منها، وبالتالي ضياع كثير من الجهد والمال.