د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
«الجوف» تلك الباسمة بورودها وبرودها، وذلك الفضاء الذي يشبه أطواق الجمال حينما تحيط بأعناق الحِسان، وتلك المنطقة التي يلمع في فضائها السنوي مهرجان يستولد بريق الذهب من مناجم أشجار زيتونها فتغمر قطراته أرضها وسماءها، وتصحو على وجيب زائريه رياضها وحياضها. فالجوف أهداف وأحلام وتوق وشوق تحتفل كل عام بشجرة «تنبت بالدهن» في مضمارها فتتجلّى نحوها خضرة الذاكرة لتروي جهود أصحاب الصناعة؛ وجهود المسؤولين في المنطقة بما يحقق بتوفيق من الله نجاحاً ممتداً هو شأن بلادنا في نجاحاتها المتواشجة.
فهناك في المهرجان طاقات تنظيمية تُشكر وتُذكر، وهناك سواعد على أرض المهرجان تربعت الجوف عليها بكل التوق فكأنما الكون كله ينهض ليساعدها، وكل في يده حلم ونكهة نجاح لذيذة المذاق، وعلى قسمات وجوههم اكتناز فرح يستوقف المارة فيقتربون لارتشاف الرحيق الذي يملأ فضاءات المكان،
ومن مشاهداتي أن واقع المهرجان يحتشد بالمهام الأخرى المساندة من كل القطاعات الحكومية في منطقة الجوف فهناك جمع من منسوبي المرور ينظمون السير ومن الأمن ثلة ينظّمون الدخول والخروج عبر بوابات المهرجان، وآخرون يشرفون على مشروعات صغيرة للأسر المنتجة للصناعات المستخلصة من الزيتون وسواها مما اشتهرت به المنطقة، وللإعلام المسموع والمرئي حضور أيضاً وتمتد في فضاء المهرجان فعاليات ثقافية وترفيهية تشهق عالياً نحو الوطن فيصدح صوتها في أروقة المهرجان فحين دلفتُ هناك شنّف أذني «عاش سلمان يا بلادي عاش سلمان» وكان لإمارة المنطقة وأمانتها جهود تنسكبُ في كل تفاصيل الحدث فالكل يتجه ليكون في منصة العرض المدهش المنافس؛ فبقي المهرجان في داخلي ورسمتُ من خلاله إنسان الجوف الذي يعشق انتعاشها، ويحتفي بمنحة إلهية طبيعية وينافس بزيتون الجوف العالم جودة وغزارة؛ فكل شبر باذخ هُنَاك اعشوشبت ضفافه عندما امتلأت خريطة الجوف بينابيع الزيتون؛ وامتد مهرجان الزيتون الذي كان شعاره هذا العام مشتقا من آمال مواطني الجوف «غصن الذهب» امتد نَحو باقات الثقافة والأدب والشعر، فكان النادي الأدبي والثقافي في مدينة سكاكا بمنطقة الجوف يرتشفُ في أمسياته الأدبية ليل الجوف محتفياً بعروق الزيتون في جوف الوطن الكبير، فالنادي هناك له تعاضد كبير مع إشراقات المنطقة فدائماً ما يحمل في برامجه خيوط ضوء ترقى إلى معارج الشعر وإلى فيوض الأدب بأشكاله، كما ينتهج النادي المفهوم الشامل للثقافة ودروبها؛ ويلتقط باقتدار دهشة الميدان الأدبي السعودي، ولقد كان حصاد النادي مجزياً في ذلك المهرجان، وهناك في الجوف منصة تنويرية ثقافية عريقة تدفع بالثقافة هناك إلى سقف عال من حيث جودة المحتوى والتراكمية المعرفية التي شهدتها مكتبة دار العلوم التي أنشأها الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري - رحمه الله - تحت مظلة مؤسسته الخيرية عام 1383 فكانت المكتبة وما زالت منبراً ثقافياً حافزاً ولها سبق مشهود في البحث والنشر وإصدار الدوريات المتخصصة، كما كان لدار العلوم اتصال ووصال مع مهرجان زيتون الجوف لهذا العام وكل عام، فاحتضنت حزمة من الفعاليات الثقافية على مسرحها العريق، وتسلمتْ باقتدار قيادة منصة الثقافة المنبرية في ذلك المهرجان، ولقد حظينا بجولة في ردهات مكتبة دار العلوم استوقفتنا كثير من مفاوزها المعتقة، وكان للكتب الغزيرة رائحة عبقة نفاذة تبدّد معها صوت الجهل بن أعمدة المكتبة الرخامية؛ وفي دار العلوم صوت للنساء والرجال منذ الأزل، فالمكتبة العريقة سباقة لتمكين المرأة من ارتياد الثقافة وَالنَهل من حياضها، وما زالت مشرعة حتى أقصاها، ولها نشاط تشاركي وافر مع منصات المعرفة والثقافة محليًا وخارجياً.
ويبقى مهرجان الزيتون فضاءً أخضر رطباً يحتضن الجوف وتحتضنه في كل عام وكل منصاته مكتنزة نشاطاً مجتمعياً وثقافةً وأدباً.
بوح أخير،،
سلمتِ يا «جوفُ» يا إشراقة الزمنِ
سلمتِ ريّانةً تختال في وطني
سلمتِ تاجاً على التيجان زيّنها
طوق من الحب أو طوق من الشجنِ
سلمتِ أرضاً روى الزيتون قصتها
فانثال قطْراً كمثل البارق الهتِنِ
سلمتِ أرضاً لها في العقد واسطةٌ
شرقية الجذر أو غربية الفننِ