م. خالد إبراهيم الحجي
إن التكنولوجيا الرقمية - باختصار شديد - هي اللغة التي تستعملها الحواسيب لتحويل جميع المعلومات والبيانات والصور والجداول الداخلة فيها إلى رموز ثنائية تتكون من سلسلة تحتوي على الرقم (صفر) والرقم (واحد)، وثم تقوم بفك الرموز مرة ثانية وتحويلها إلى المعلومات والبيانات والصور والجداول التي تظهر لنا على شاشات الحواسيب. وميزة الرقمنة أنها تزيد سرعات انتقال المعلومات في شبكات الحواسيب الخاصة وعبر الواي فاي والشبكة العنكبوتية. وتضامن التكنولوجيا الرقمية مع ثورة الاتصالات شكل الثورة الرقمية التي تم تعريفها بأنها التحول السريع في السعي البشري الحثيث لتحقيق غدٍ أفضل باستخدام التكنولوجيا الرقمية التي تتخطى حاجز المكان وتستبعد حيز الزمان لنقل المعلومات بين مختلف أجزاء العالم. ومع امتلاك معظم الأفراد وكل المجتمعات للحواسيب، والأجهزة الإلكترونية الحديثة حدث التحول التدريجي عن الوقت السابق في العادات والتقاليد، والثقافات الاجتماعية، والخدمات المدنية والاقتصادات الدولية مثل: الذي نشاهده ونعيشه في الوقت الحاضر نتيجة لتداول المعلومات المختلفة بالطرق والوسائل المتعددة التالية:
أولاً: وسائل التواصل الاجتماعي: المختلفة التي تتزايد بشكل مستمر مع سرعة تطور التكنولوجيا الرقمية؛ تؤثر تأثيراً كبيراً بدرجات متفاوتة على تغيير العادات والتقاليد الاجتماعية وتطويرها.
ثانياً: محركات البحث في الإنترنت: القوية جداً التي تمكن من سرعة الوصول إلى مصادر المعلومات المختلفة للحصول عليها بسهولة ويسر؛ تؤثر تأثيراً كبيراً بدرجات متفاوتة على تغيير ثقافات المجتمعات وتطويرها.
ثالثاً: الحكومة الإلكترونية: الخدمات الحكومية القائمة على التكنولوجيا الرقمية، مثل: خدمات أبشر المذهلة للأفراد والأعمال وخدمات مقيم؛ تصل إلى المستفيدين بكفاءة عالية وسرعة مريحة ودقة متناهية.
رابعاً: خدمات التجارة الإلكترونية: من متاجر الآب المحمولة ومتاجر الإنترنت عبر القارات مثل: عمليات البيع والشراء التي تتم بين الأفراد العاديين وبعض أسواق التجزئة العملاقة في الدول الأخرى؛ تؤثر بدرجات متفاوتة على الاقتصادات المحلية والدولية بتحفيز التنافسية العالمية.. وأغلب المجتمعات تختلف من مجتمع لآخر بالنسبة لاستخدام الأجهزة القائمة على التكنولوجيا الرقمية، وطريقة استخدامها، والاستفادة من تطبيقاتها التكنولوجية، فمنها: (أ): من يستخدمها كأدوات استهلاكية للترف والمتعة وتضييع الوقت والترفيه والترويح عن النفس. ومنها: (ب): من يوظفها في متطلبات الحياة اليومية وتحسين العمل والبحث عن المعرفة وزيادة الإنتاج لتحقيق غدٍ أفضل.. واستخدام التطورات المستمرة في الأجهزة الحديثة القائمة على التكنولوجيا الرقمية يتطلب: (1): إدراك أن الجديد في عالم التكنولوجيا يصبح قديماً بعد فترة قصيرة نتيجة سرعة التقدم والتطور الذي يفرض التكنولوجيا الجديدة ويحلها محل القديمة. (2): المرونة الكافية لقبول التكنولوجيا الجديدة وعدم رفضها؛ لأنها تفيد المجتمع. والتوقف عند حد معين من التكنولوجيا ورفض الجديد منها يعني التخلف عن ركب التقدم والتطور. وهناك كثير من المجتمعات التي رفضت التكنولوجيا الحديثة لأسباب ثقافية أو اجتماعية ثم أجبرها الواقع على قبولها واستخدامها بعد ذلك، كما في المثاليين التاليين:
المثال الأول: موقف المجتمع السعودي عندما ظهر الجيل الثاني من جوالات نوكيا ذات الكاميرات العادية التي تصور صوراً مثل الصور الفوتغرافية الثابتة، وحلت محل الجيل الأول من جوالات نوكويا العادية في أول اختراعها، وفي حينها رأى بعض المحافظين أن الموديلات الجديدة من الجيل الثاني خطر على النساء بسبب إمكانية تصويرهن. ثم جاء الجيل الثالث والرابع من الجوالات الذكية التي تحتوي على كاميرات الفديو وتمكن المتصلين من رؤية بعضهم بعضاً، وحلت محل الموديلات القديمة التي انقطع إنتاجها، فلم يكن أمام الرافضين للجوالات الحديثة مهرب من استخدامها.
المثال الثاني: موقف مجتمع مدينة «فينكس» بولاية أريزونا الأمريكية من مشروع الطائرات دون طيار (الدرون) لتوصيل طلبات المنازل عبر سماء المدينة التي تكثر فيها المسابح الخاصة بسبب كثرة أيامها الدافئة المشمسة المحببة للسكان، فاحتج بعضهم على تحليقها فوق منازلهم ومسابحهم مخافة تصوير نسائهم أثناء السباحة ورفضوها بشدة. ثم تركوا موقفهم من طائرات الدرون، وانشغلوا بالابتكار الجديد التاكسي الجوي لنقل الركاب عبر سماء المدينة فوق منازلهم؛ لأنه أصبح أكثر كشفاً لها، وأشد تعدياً على خصوصياتهم من طائرات الدرون.. والقاسم المشترك بين الموقفين في المثالين السابقين أن كلا الفريقين يرفض التكنولوجيا الجديدة عندما تخترق حدود الخصوصية والعادات والتقاليد والثقافات الاجتماعية الموروثة.
الخلاصة:
يجب استخدام التكنولوجيا المتطورة بجميع أنواعها وأشكالها والاستفادة منها وعدم رفضها بحجة تأثيرها على العادات والتقاليد والثقافات الاجتماعية.