حمّاد السالمي
* كنا قبل عدة أيام نتحلق حول عميد وعمدة أسرتنا الأخ الأكبر الذي يرقد على سرير المرض بالمستشفى. تذاكرنا تاريخ هذا المريض اليوم الذي عاش أكثر من تسعة عقود دون مستشفيات ولا علاجات كيميائية. قادنا الحديث لحياة الوالد رحمه الله وأقرانه ولداته، الذين كانوا يعيشون في القرى والأرياف دون مستشفيات، ولا مراكز صحية، ولا أدوية كيميائية. ثم عقدنا مقارنة سريعة بينهم في أيامهم الخوالي؛ وبيننا نحن اليوم في مدننا أو في قرانا وأريافنا على حد سواء. قال أحد الحضور: لا يوجد في زمننا هذا دار في قرية أو مدينة ليس فيها مريض أو دواء من أي نوع كان. تمم الكل على ما ذكر صديقنا الزائر؛ الأمر الذي نقلنا إلى الكلام على مشاق التطبيب والتشافي في المستشفيات والمصحات عامة أو خاصة، بسبب كثرة المحتاجين لهذه الخدمة، وتزايد أعدادهم يومًا بعد يوم، حتى أن البعض من المحتاجين لعمليات جراحية؛ يلزمهم الانتظار لعام أو عامين أو أكثر، لأن هناك عشرات ومئات من مثلهم في قوائم الانتظار. هذه الحالات أعرفها جيدًا، وهي كثيرة مع الأسف.
* الأكثر صعوبة على الناس في هذا الزمان؛ هو الأسعار المبالغ فيها للأدوية في الصيدليات، التي هي بمثابة أسواق تجارية وليس مراكز تصريف أدوية لعلاج المرضى. الكلام في هذه الجزئية يطول شرحه، لكني أتكلم من تجربة شخصية، وأنقل تجارب لقريبين أثق في كلامهم. تصوروا أني أتناول علاجًا مكملاً يوجد منه في السوق صناعة ألمانية فقط لا غير..! يباع هنا بحوالي 55 ريالًا، بينما هو ذاته صناعة مصرية جيدة بنفس التركيب؛ لا يزيد ثمنه عن (12 جنيهًا مصريًا) فقط. حوالي ريالين ونصف..! وهنا بحوالي: (255 جنيهًا مصريًا)..! ونسبة الزيادة قرابة: ( 95 %) فقط..! وهذا حال عديد الأدوية والمستحضرات الموجودة في هذه الصيدليات، والتي تقوم شركات تسويق إلكترونية عبر الشبكة ببيعها وتوصيلها للمشتري بأسعار خيالية، تقل عن أسعار الصيدليات بنسب كبيرة، ما يكشف أن تجارة الدواء بعيدة عن أعين التجارة، الذي يفترض أنها تكون حاضرة في هذا المشهد التسويقي بقوة، وأن تحمي البسطاء من عبث المتلاعبين بأسعار الدواء وتسويق ما يرون هم فقط لا ما يحتاجه السوق. العجيب والغريب في الأمر؛ أنك تشعر أن كل ما يباع من أدوية في الصيدليات؛ هو من مصدر واحد، ولمصدر واحد، لا يسمح لغيره بالبيع في عموم المملكة. وقد روى لي مستثمر في سوق الدواء؛ قصة تؤكد احتكار السوق، وأنه غير متاح لغير المحتكر تسويق الأدوية..! أين أدوية الشركة السعودية للدواء على سبيل المثال..؟ ولماذا نصر على تنفيع شركات من بلدان محددة فقط؛ دون غيرها في تجارة الدواء عبر الصيدليات.
* وفي هذا السياق الذي يعني حياة الناس وصحتهم؛ ذكر الدكتور (سامي الصقر)؛ نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الدواء في تصريح صحافي؛ أن أسعار الأدوية تتم مراجعتها بشكل دوري كل خمس سنوات من تسجيل المستحضر، وأنه تم خفض أسعار أدوية بنسبة (30 %). أختلف تمامًا مع ما ورد على لسان المسئول الثاني لقطاع الدواء. لم نلمس أي خفض لأسعار الدواء، بل الزيادة هي الظاهرة عامًا بعد عام. وما يدهش ويثير الاستغراب حقيقة؛ هو عدم ظهور هذا القطاع قبل اليوم، وإذا كانت هناك مراجعات كل خمسة أعوام كما قال؛ فلماذا لم تظهر على أسعار الدواء في الأسواق يا ترى..؟
* المرحلة التي نعيشها هي مرحلة تغيير وتصحيح على كافة المستويات، ومنها محاربة الفساد الذي لم يعتق سوق الدواء في المملكة بكل تأكيد، وجاء الوقت الذي يجتث فيه هذا الداء لتحرير الدواء من الاحتكار والغش والمبالغة في الأسعار. لقد سرني ما كشفت عنه وزارة الصحة والهيئة العامة للزكاة والدخل مؤخرًا، من آلية تحمل الدولة عن المواطنين ضريبة القيمة المضافة عن الخدمات الصحية المقدمة من خلال القطاع الصحي الأهلي بناءً على أمر ملكي كريم. هذه وقفة تذكر وتشكر للدولة التي ترعى مواطنيها صحيًا حتى عبر التطبيب الأهلي.
* مثلما الأمر يتطلب مراجعة سريعة للخدمات الصحية المقدمة من خلال المستشفيات العامة والتطبيب من خلالها؛ لتلبي حاجة المواطنين في مدنهم وقراهم، وتوفر لهم الخدمة في الوقت المناسب وليس بالتأجيل أشهرًا وسنوات؛ فإن المستشفيات الخاصة كذلك ينبغي أن تظل تحت المراجعة والفحص لوقف المغالاة، وحتى لا يصبح سعر التطبيب فيها قائمًا على العرض والطلب وحاجة المرضى. وهو السعر الذي يزداد يومًا بعد يوم، ويسري هذا على الدواء من خلالها، أو عبر منافذ التسويق التجارية.
* إلى من نتوجه بطلب مراجعة سريعة وجادة للخدمات الصحية الأهلية والخاصة، وغلاء الأدوية في الصيدليات؟.. إلى وزارة الصحة، أم وزارة التجارة، أم قطاع الدواء..؟ أفيدونا.