إنّ قضية التفريق بين الوسائل والغايات من الأهمية بمكان خاصة في مجال التعليم الحديث، فقد كثر الحوار حول التحول المستمر من التعلم التقليدي إلى التعلم الإلكتروني، بحيث أصبح التساؤل الشائع هل التعلم الإلكتروني هو الغاية أو الهدف أم هو وسيلة للتعلم.
فالعلم وهو لغة الحضارة في كل مكان وزمان اختلفت طرق الحصول عليه، فمنذ خلق الله تعالى آدم عليه السلام والإنسان يكد ويكدح في الحياة ليحصل العلم، فكانت البداية مع المحاولة والخطأ، ومن ثم التجربة وغيرها من الطرائق التي استخدمها الإنسان عن علم أو بدون علم بنتائجها حتى بدأ بجمع المعرفة وتسجيلها ونقلها للأجيال التي تليه، فأصبحت الخبرات أيضا احدى وسائل نقل المعرفة لأجل التعلم.
ومع بداية ظهور المدارس - والتي اختلف في تحديد بداياتها بشكل صحيح- كان التعليم يعتمد على التلقين الذي ينقل المعرفة من المعلم إلى المتعلم دون ترك مساحة لهذا المتعلم للتفكير والإبداع، فكان المبدعون هم نتاج العمل على أنفسهم أو من خلال أسرهم التي آمنت بقدراتهم العقلية (الذكاء) ومهاراتهم العملية، حيث يلاحظ في هذه الفترات بطء وتيرة التغير المعرفي.
ومع استخدام وسائل المواصلات الحديثة وإمكانية التنقل بين البلدان بدأت المعرفة تنتقل أسرع من مكان إلى آخر، وبدأ تحديث المناهج الدراسية واستخدام المقررات التي تعتمد على مهارات التفكير العليا من تحليل وتقييم وتركيب، وبدأ المعلمون في استخدام بعض الوسائط التعليمية مثل الفيديو والشرائط الصوتية والألعاب الإلكترونية.
ومع ظهور الكمبيوتر وشيوع استخدامه في كافة المجالات البشرية كان لابد من الاستفادة من هذه التقنية الحديثة آنذاك في مجال التعليم، فبدأ التحول التدريجي للمدارس نحو توفير أجهزة تساعد الطلاب على سرعة الوصول للمعلومات التي يخزنها المعلمون على الأجهزة واستخدام بعض البرامج التي سهلت على الطلاب استيعاب الأفكار من خلال توفير نظم متعددة مثل نظام المحاكاة.
وما إن جاء العقد الأول من تسعينيات الألفية الثانية حتى ظهرت شبكة الإنترنت، والتي حولت العالم إلى قرية صغيرة، وهو المصطلح الذي لم يختلف أحد في معناه ولا مفهومه أبدا، فقد تغير وجه العالم سريعا جدا، ولربما يكون مقدار ما نشر من العلم والمعرفة، وما توصل إليه منذ ظهرت الإنترنت وحتى الآن يفوق العلم والمعرفة التي توصل إليها الإنسان قبل ظهور الإنترنت بآلاف المرات.
وكما جرت العادة حين يظهر مخترع جديد يبدأ الناس في التحول السريع إليه دون معرفة غايته وهدفه وهل التحول إليه هو الهدف أم الوصول إليه فقط هو الهدف، سارعت المدارس إلى اعتماد شبكة الإنترنت كمصدر من مصادر التعلم داخل الفصول ومراكز مصادر التعلم، بل إن كثيرا منها قد تحول بشكل كلي من الاعتماد على الطرق والوسائل التقليدية في التعليم إلى التعلم المعتمد على استخدام شبكة الإنترنت، وهنا ظهر الاتجاه نحو التعلم الإلكتروني، فأصبحت المدارس تتسارع نحو التحول السريع وغير المدروس إلى اعتماد التعلم الإلكتروني كأحد أنظمة التعلم التي توفرها المدرسة.
ومع تسارع هذه الوتيرة كان لابد من السؤال: هل التعليم الإلكتروني وسيلة أم غاية؟.
وقد انقسم العاملون في مجال التعليم إلى أقسام متفرقة، فمنهم من يرى أن التحول نحو التعلم الإلكتروني هو الهدف، حيث لا كتب ولا قاعات ولا دفاتر بغض النظر عن مردود العملية التعليمية، والتي أعادوها إلى نقطة البداية، وهو المعلم الذي يستطيع أن يطوع هذه التقنيات لصالح العملية التعليمية. وهناك قسم آخر يرى أن التعليم الإلكتروني ما هو إلا وسيلة من أجل تسهيل العملية التعليمية وتوفير المصادر المعرفية وتطبيق استراتيجيات التعلم الحديثة، والتي تحتاج إلى سرعة الحصول على المعلومات.
ومنهم من يرى أنه يجب التوازن في هذه الاتجاه ما بين التعليم الإلكتروني كهدف وكوسيلة، بحيث يصبح توفير متطلبات التعليم الإلكتروني هدفا واستخدامه في العملية التعليمية وسيلة من وسائل تجويد التعليم.
ولعل الصراع الدائر بين التربويين والتقنيين حول الكتاب المدرسي أوضح موضوعات الاختلاف، فالتربويون يرون أن الطالب لابد أن يصطحب كتابه معه ويحمله بين يديه لتحدث الألفة بينهما، وأن يكون رفيقا له أينما حل، والتقنيون يرون أن الكتاب الورقي سيختفي عاجلا أم آجلا وعلينا أن نهيئ طلابنا إلى هذه المرحلة.
وحتى الآن لم يحسم أحدهم المعركة لصالحه، فهل ينتصر التربويون ويبقى الكتاب، أم يختفي الكتاب المطبوع كما اختفت من حياتنا الكثير من الأشياء الجميلة.
وبالنظر إلى التعلم الإلكتروني والتعلم التقليدي نجد أن المنظومة التعليمية لم تتغير، فهي طالب ومعلم ومنهج، ولكن في التعلم الإلكتروني يقل دور المعلم ويظهر دور الطالب بشكل أوضح، بحيث يتحول المعلم إلى مرشد وموجه وواضع للخطط ومدقق في التحصيل المعرفي والمعلوماتي والمهاري، وهذا من وجهة نظري هو النقطة التي ستميل كفة الميزان لصالح التعلم الإلكتروني مستقبلاً.