يوسف المحيميد
كان غريبًا أن أرتدي ثوبي الصوفي وشماغي الأحمر وأنا أتنقل من قاعة إلى أخرى من قاعات متحف لوفر أبوظبي الاثنتي عشرة، وكان غريبًا أن أقف أمام تماثيل الرومان واليونان وأنا بشماغي مثل بدوي تائه، كان غريبًا أن أتأمل لوحة أصلية لبول سيزان، وفان جوخ، ومونيه، أو خوان ميرو، ومارك روثكو، وأنا بالزي الوطني التقليدي، ولعل الأكثر غرابة ودهشة وجمالاً أن أقرأ شروحات التماثيل والمنحوتات واللوحات بلغتي الأم، اللغة العربية، وليس ذلك فحسب، وإنما وسائط الأجهزة التي أتنقل بها في ردات المتحف تشرح لي، أيضًا بلغتي، كأنما لغتي فجأة أصبحت مقبولة، وقادرة على شرح هذه الأعمال الفنية العظيمة!
كم كان مشهد ذلك الرجل الخليجي بثوبه وغترته، وسنواته السبعين مثيراً،. وهو على كرسيه المتحرك، تدفعه بالتناوب فتاتان، هما ابنتاه المحجبتان، ويسألهما كل فينة، وبصوت عال، عن هذا التمثال، عن هذه المنحوتة، هذه القطعة النادرة، وهما تقرآن له المكتوب بحب، وتشرحان له بسعادة، كم كنا بحاجة شديدة إلى أن نعيش مثل هذه الحياة الطبيعية، مثل خلق الله في العالم كله.
وكم كان رائعًا تقسيم القاعات تباعًا، وهي تحكي بدايات البشرية، وتحولات العالم في مختلف العصور والحضارات والإمبراطوريات، ومن مختلف الأديان، وطرق التجارة القديمة، والفنون الحديثة والمعاصرة، ولعل الأجمل هي لعبة المقارنات الذكية بين منحوتتين أو بين تمثالين، كالمقارنة بين غاندهارا وروما، رغم المسافة الشاسعة بين الشرق والغرب، أو المقارنة بين نقشين يختصان بتقديم القرابين، الأول منفذ بالرخام وفي الأمبراطورية الرومانية في روما 100- 200 ميلادية، والأحدث منفذ بالبرونز وفي فرنسا 1942، ويفصل بينهما عشرة قرون. ففي عصر النهضة أعادت أوروبا اكتشاف فن العصور القديمة... فهذه المقارنات الدقيقة، وشرح خلفيات العصور والحضارات يمكن المتلقي وعيًا ثقافيًّا جديدًا.
الحديث عن جماليات متحف لوفر أبوظبي يطول، فهو أكبر من أن يختزله عمود صغير، لكنني أجزم أن هذا المتحف خطوة مدهشة لعالم جديد من المتاحف والفنون في دول الخليج، وهو ما سينعكس على الأجيال القادمة.