«الجزيرة» - محمد السنيد:
منذ إنشائها قبل نحو 11 عامًا، سعت الشركة السعودية للخطوط الحديدية «سار» جادة لاستكمال أحد أضخم شبكات الخطوط الحديدية على مستوى المنطقة، حيث كان الهدف عند تأسيسها - باستثمار كامل للدولة - الإشراف على تنفيذ وتشغيل شبكة خطوط حديدية تربط أقصى شمال المملكة بالعاصمة الرياض والموانئ الواقعة على سواحل الخليج العربي بالمنطقة الشرقية. وحققت «سار» - والمملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة - خلال نحو عقد من الزمن منجزات ونجاحات على أرض الواقع، تمثلت في الانتهاء من تنفيذ خطوط الشبكة الحديدية التي يبلغ طولها 2.750 كيلو متر، وتمكنها من تشغيل خط المعادن لنقل الفوسفات بالقطارات من منجم حزم الجلاميد شمال المملكة حتى معامل التكرير في رأس الخير على الساحل الشرقي، ثم تشغيل الخط الآخر لنقل المعادن والمتمثل في نقل البوكسايت من منجم البعيثة (واسط) إلى رأس الخير.
ومن هذه المنجزات كذلك تدشين خدمة نقل الركاب بقطاراتها السريعة والمريحة في شهر فبراير العام الماضي، كما أكملت ربط مدينة وعد الشمال بسكة قطار الشمال ومن ثم بدأت في نقل الكبريت المصهور وحامض الفسفوريك.
2011م: قطارات المعادن شريان الدعم لصناعة التعدين بالمملكة
خلال خمسة أعوام، وبعد أن أكملت أحد أهم أجزاء شبكتها، كانت على موعد مع تدشين باكورة خدماتها لنقل خام الفوسفات من مناجم حزم الجلاميد أقصى شمال المملكة إلى مرافق المعالجة والتصدير في رأس الخير لتباشر دورها كداعم رئيس لصناعة التعدين التي باتت تشكل ركيزة مهمة في اقتصاد الوطن. كما واصلت نموها التشغيلي على هذا الخط لتبدأ منتصف عام 2014م، بنقل خام لمعدن آخر وهو البوكسايت من مناجم البعيثة، وسط المملكة إلى رأس الخير، إلى أن أصبحت الناقل الوحيد لهذه المعادن وأزاحت كمًا هائلاً من الشاحنات، كان من المنتظر أن تشغل طرق المملكة السريعة بين تلك المناطق.
على الجانب الآخر، تابعت «سار» تأدية مهامها في استكمال إنجاز البنى التحتية بما يشمل إنشاء مدينة صيانة متكاملة للخطوط الحديدية بالنعيرية إضافة إلى شبكتها لخدمة نقل الركاب التي تربط ست مدن بالمملكة وإنشاء محطات للركاب في كل من الرياض، المجمعة، القصيم، حائل، الجوف وانتهاء بالقريات على الحدود الأردنية. كما باشرت تسلّم أسطولها من القطارات الحديثة المخصصة لنقل الركاب وبدأت برنامجها لاختبار كفاءتها وتشغيلها التجريبي للتأكَّد من سلامتها لتواكب المناخ الحار والرملي للمناطق التي ستمر من خلالها.
2012م دور ريادي في توطين وظائف الخطوط الحديدية
ولضخامة شبكة «قطار الشمال» التي كانت «سار» تستكمل إنشاءها وتشغيل خط التعدين والحاجة الماسة لرأس مال بشري كفؤ ومؤهل بأعداد كبيرة في مختلف التخصصات الأمر الذي يجعل من الخطوط الحديدية نافذة جديدة سيفتح من خلالها فرصًا وظيفية واعدة للشباب السعودي، كان حريًا بالشركة أن تضطلع بدورها في الإسهام بتوطين وظائف هذا القطاع؛ لذا فقد أبرمت «سار» عام 2012م شراكة إستراتيجية مع المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني استهدفت من خلالها نقل تقنيات الخطوط الحديدية في مختلف مجالاتها عبر تأسيس المعهد السعودي التقني للخطوط الحديدية «سرب»، حيث قامت باستقطاب خبرات عالمية معتمدة لتحقيق هذا الغرض.
ووصل خريجو المعهد منذ تأسيسه حتى اليوم ما يزيد عن 300 موظف، تم تعيينهم في مجالات مختلفة ضمن مرافق الشركة، شملت قيادة القطارات وصيانة القاطرات والمقطورات وكذلك الاتصالات والإشارات إضافة إلى خدمات الركاب.
هذا ولم يقتصر المعهد على تأهيل الكوادر الوطنية المتخصصة لشركة «سار» ضمن مشروع «قطار الشمال»، بل يشمل كذلك جميع مشروعات الخطوط الحديدية والمترو في المملكة مؤخرًا.
2016م ثقة القيادة
مع إكمالها 10 سنوات مع عمرها، أنجزت «سار» كامل الأعمال الإنشائية لبنيتها التحتية مثل شبكة الخطوط الحديدية والمحطات ومركز التشغيل والتحكم وكذلك مدينة الصيانة الرئيسة بالنعيرية وبقية مرافق الدعم، إضافة إلى إنجازها للبرنامج التشغيلي لقطارات الركاب إيذانًا ببدء تدشين الخدمة.
شهد عام 2016م حدثًا مهمًا ومفصليًا في تاريخ «سار» لا يقتصر على بيان حصولها على ثقة الدولة - حماها الله - بتولي زمام هذا القطاع الحساس وحسب، وإنما يتعدى ذلك إلى تكامل أعمال تشغيل خطوط خدماتها وكذلك مشروعاتها التوسعية في المستقبل مع بقية مكونات منظومة النقل بالمملكة. فقد تضمن القرار أمرين في غاية الأهمية؛ الأول: نقل ملكية كامل مكونات البنى التحتية لشبكات ومرافق الخطوط الحديدية بين مدن المملكة إلى شركة «سار» المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، حيث كان قطار الدمام - الرياض بكامل مكوناته يتبع للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية، وكذلك قطار الحرمين السريع. والأمر الثاني أن تكون رئاسة مجلس إدارة الشركة لمعالي وزير النقل.
وهذا القرار يعطي دلالات واضحة وجلية على ثقة الدولة في عمل الشركة خلال 10 أعوام وما حققته من إنجازات على أرض الواقع تمثلت في تنفيذ مشروع قطار الشمال بكامل أجزائه ومكوناته وتشغيل خط التعدين ومن ثم تشغيل خدمة نقل الركاب والمحطات في أربع مدن.
2017م إنجازات ضخمة ملموسة ومسؤوليات جسيمة لتطوير القطاع
لم يكن أحد ليتخيل أن يشق خط حديدي عرض صحراء المملكة من قلب نجد حيث العاصمة، ليمتد شمالاً فيعبر نفود «المستوي» ثم «صحراء النفود» وصولاً إلى أقصى الشمال على الحدود الأردنية ليربط الرياض بالمجمعة والقصيم وحائل والجوف والقريات.
تجربة السفر بين تلك المناطق اقتصرت لسنوات طويلة على الطيران والطرق السريعة. الأمر الذي يؤمن به كل مطلع أن ربط هذه المناطق وقطع تلك المسافات التي تفصل بينها بخط حديدي سيلعب دورًا مهمًا في تقديم حلول نقل آمنة ومريحة لسفر الركاب، إضافة إلى تحقيق سلسلة من العوائد والقيم الاقتصادية للوطن من خلال دعم نهضة قطاعات الأعمال والصناعة القائمة حاليًا في المناطق التي يمر بها إضافة إلى تشجيع قيام استثمارات جديدة متعددة في مجالات الصناعة والتجارة والزراعة إضافة إلى تنمية الأنشطة السياحية في مختلف المناطق باعتبار أن القطارات تعد أفضل وسيلة نقل من الناحية الاقتصادية، وأكبرها من حيث الطاقة الاستيعابية، إضافة إلى ما توفره من اعتمادية عالية مع المحافظة على أعلى معايير الأمن والسلامة.
يناير: إنجاز ربط مدينة
وعد الشمال التعدينية
استهلت «سار» - التي يرأس مجلس إدارتها معالي وزير النقل الدكتور نبيل العامودي - العام الميلادي 2017م بإنجازها أحد أهم المشروعات التي تهدف إلى دعم صناعة التعدين بالمملكة، حيث أكملت في شهر يناير الأعمال الإنشائية لمد الخط الحديدي الذي يربط المرافق الصناعية لمدينة وعد الشمال، قرب محافظة طريف، بالمناجم ومواقع إمدادها بالمواد الأولية، إضافة إلى منفذ التصدير في رأس الخير.
كان ذلك عبر إنشاء خط حديدي بطول 130 كيلو مترًا يربط وعد الشمال بشبكة «قطار الشمال» لتتصل من خلاله بمناجم جزم الجلاميد وميناء رأس الخير على الخليج العربي، وكذلك إنشاء وصلة أخرى شرق المملكة بطول 64 كيلو مترًا تربط معامل (واسط) التابعة لشركة أرامكو.
هذا التوسع في الشبكة سيثمر بمشيئة الله تعالى في إمداد المرافق الصناعية الضخمة في وعد الشمال بخام الفوسفات من مناجم حزم الجلاميد وكذلك مواد الكبريت المصهور وحامض الفسفوريك، التي تم تدشين خدمات نقلها تباعًا خلال شهري مايو ويونيو عام 2017م، وانتهاء بنقل المنتجات النهائية للأسمدة الفوسفاتية من مرافق وعد الشمال إلى ميناء رأس الخير التعديني على الخليج العربي.
فبراير: تدشين خدمة نقل الركاب من وسط المملكة إلى شمالها
* الزمان: العاشرة صباحًا - الأحد 26 فبراير
* المكان: محطة الركاب بالرياض
أعداد كبيرة من المودعين، والمسافرين ممن سيستقلون الرحلة الأولى المتجهة إلى محطة القصيم مرورًا بالمجمعة، لقد كان ذلك اليوم بداية لمرحلة جديدة في مجال النقل بالمنطقة، تَمَثل في تدشين خدمات نقل الركاب بقطارات «سار» التي بدأت بخمس رحلات أسبوعيًا وتطورت مع الوقت إلى أن أصبحت رحلة يوميًا إضافة إلى توفير رحلات إضافية في أيام الإجازات الفصلية والأعياد.
التطور في الخدمة التي تقدمها الشركة والراحة التي وجدها الركاب في السفر عبر القطار شجعا لاستخدامه بشكل مستمر حتى بات أحد أهم الحلول بالنسبة لهم عند السفر بين المناطق الثلاث وأصبح خيارًا موثوقًا وآمنًا للسفر.
أكتوبر: قيادة قطاع الخطوط الحديدية بالمملكة
تفعيلاً للدور القيادي الذي رسمته الدولة - حماها الله - لـ»سار»، كممثل لها في ملكية البنى التحتية لشبكات الخطوط الحديدية ومرافقها التي تربط المدن بالمملكة، أتمت الشركة خلال شهر أكتوبر الماضي أعمال التقييم للأصول الخاصة بخط الرياض الدمام الذي تديره وتشرف على تشغيله وصيانته المؤسسة العامة للخطوط الحديدية، بما شمل شبكة الخطوط الحديدية والمحطات ومرافق الصيانة وكذلك قطارات الركاب وقطارات الشحن المختلفة، إلى جانب ما خصصته الدولة من أصول عقارية تتمثل في أراضٍ متفرقة في المنطقة الشرقية، كما شملت أعمال تقييم الأصول مشروع قطار الحرمين السريع، الذي يستعد حاليًا لبدء التدشين ولعب دورٍ بارزٍ في دعم حركة الحجاج والمعتمرين والمسافرين وتنقلهم ما بين مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة.
نوفمبر: حائل تدخل ضمن المحطات كوجهة رابعة للسفر
خلال 9 شهر من إطلاقها المرحلة الأولى بين الرياض والمجمعة والقصيم، وبعد أن أكملت تجهيزات محطة حائل وأنهت الرحلات التجريبية للقطار التي أثبتت الجاهزية التامة لبدء الرحلات المجدولة للقطار بشكل منتظم لحائل؛ دشنت شركة «سار» - التي يتسنم فيها الدكتور بشار بن خالد المالك منصب الرئيس التنفيذي - محطة حائل كمرحلة جديدة تمثل المرحلة (الثانية) من مراحل خدمة نقل الركاب في المشروع، في الـ 26 من شهر نوفمبر الماضي تم بتشغيل ثلاث رحلات أسبوعية بين حائل والرياض مرورًا بكل من القصيم والمجمعة.
ديسمبر: نجاحات متواصلة ونمو في عمليات نقل المعادن عن العام الماضي
تمكن قطاع التشغيل في الشركة من رفع عدد تسليم الشحنات لقطارات المعادن على خط التعدين لأكثر من الضعف مقارنة مع عام 2016. وعليه شهدت النتائج الأولية لمعدلات نقل معادن الفوسفات والبوكسايت نموًا ملحوظًا حيث تقترب الكميات المنقولة من المعادن في عام 2017، من حاجز السبعة ملايين طن بزيادة بلغت أكثر من 16 في المائة مقارنة بـ 2016م، وبهذا تكون قطارات «سار نجحت في تعويض نحو 28 ألف شاحنة شهريًا كان من الممكن أن تشغل الطرق بين شمال ووسط وشرق المملكة.
كما أثمر تشغيل «سار» لهذه الخدمة عن توفير70 في المائة من الوقود المستهلك، بما يزيد عن مليون و200 ألف برميل من الديزل، في نقل الحمولة نفسها بالشاحنات، فضلاً عن خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 75 في المائة. يضاف إلى كل ذلك الدور الكبير لقطارات التعدين التابعة لـ «سار» في نقل المواد الخطرة مثل الكبريت المصهور وحامض الفسفوريك مسافة تزيد عن 1500 كم من (واسط) بالمنطقة الشرقية إلى مدينة وعد الشمال، من خلال عربات مجهزة بأحدث أنظمة السلامة، ودورها في توفير السلامة وإبعادها عن الطرق السريعة بين المدن، إلى جانب تحسين بيئة السلامة على الطرق السريعة وتخفيض نسب الحوادث التي كانت الشاحنات غالبًا طرفًا رئيسًا فيها.
«سار» التي نجحت عبر قطارات التعدين في غضون ست سنوات ونصف السنة في نقل نحو 27 مليون طن من المعادن وأنهت 10 أشهر في تشغيل خدمة نقل الركاب عبر أربع محطات؛ تشكل قيمة مهمة في مسيرة الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادر الدخل، خاصة على صعيد دعم الصناعات التعدينية وتقديم الدعم اللوجستي لتشغيل مدينة وعد الشمال التعدينية، إضافة إلى خفض تكلفة نقل المعادن إلى المرافق الصناعية، والإسهام في نمو المناطق التي يمر بها القطار، من خلال فتح مجالات استثمارية جديدة، وخلق فرص عمل للشباب السعودي، ودفع عجلة التنمية العمرانية في تلك المناطق، وتخفيف العبء عن المدن الرئيسة بانتقال عدد من النشاطات والصناعات إلى تلك المناطق بما يلبي متطلبات تحقيق رؤية المملكة 2030م، ضمن خطة التحوّل الوطني التي تتبناها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ويقودها ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حفظهما الله.