قلّما تجد إنساناً في هذه الحياة ليس له أعمال يدوية يحاول ممارستها وتطويرها بشتى الطرق، فما أجمل الأعمال التي تتحدث عن نفسها بعيدة كل البعد عن التلميع الإعلامي والمبالغة فيه أحياناً فإن الأعمال عندما تكون جميلة فإنها تعكس صورة رائعة تتشربها عقول الناس ونفوسهم فتجود للأمة بجهابذة الفكر وأساطين الإبداع والاختراع فهذه اللوحات الرائعة التي تحيط بكافة المرافق بشكل عام فإنها تصقل أحاسيس المرء ووجدانه فتقدّم للمجتمع أيادي الفن الجميل وعقول البيان الساحر وصور الطموح الذي يحلّق بلا حدود في سماء الاستشراق لمستقبل زاهر وعظيم يعيد لكل أمة تراثها العريق ودورها الحضاري المشرّف منذ آلاف السنين، لا شك أن الحديث عن تلك الاستراحات وعن مرافقها سوف تفتح شهية القارئ والفضول لدى البعض لمشاهدة ورؤية هذه الاستراحات وأعمالها الجميلة وفي وجهة نظري المتواضعة وحديثي عن هذه الاستراحات ما هو إلا خطوة جادة نحو تطوير الاستراحات بالموروث التراثي العريق ومحاولة استكشاف تلك الخامات التي بنيت بها - وما أحوجنا إلى تفتيت الصخور وصنع المعجزات وتطوير الموروث لكي ينطلق بطاقاته المبدعة وإمكانياته الوفيرة إلى غد حضاري مشرِّف وذلك بعزيمة الرجال الذين يعملون في هذا المجال بصدق وعطاء وكسر حواجز التخلف ونبذ التسكع في متاهات الجهل وتمتحي الأمية الحضارية التراثية وإذا كانت ديناميكية الأفكار هي النبع المتصل لديناميكية النظم التي ترتكز عليها الحضارة.. فإن التركيز الدائم والدؤوب على تطوير الأفكار بتطور الزمن فيصبح المنطلق الصحيح للتجديد والتطوير في أي مجتمع يشكِّل اللبنة الأولى في البناء الحضاري حتى تكون اللبنة صلبة وقوية وغير هشة ولا ضعيفة حتى لا تنخر البناء عوامل ومعتقدات اجتماعية معوجة وغير مستقيمة وحتى يكون البناء والتطوير له عمر طويل وشموخ أكبر تقرها علوم هندسة البناء ويثبتها منطق التطور الحضاري.
فقد كتبت هذا الكلمات وهذه الجمل والعبارات لأخوض تجربة البحث عن الموروث التراثي العريق وما زلت في مرحلة الإعداد والاستعداد له، وقد كان حبي وعشقي لهذه التجربة هو الدافع القوي الذي جعلني أحاول بشتى الطرق التعمق في أسراره وأعماق ومنابعه الأصيلة رغم أن صورته قد اندثرت وشوهت بشكل يجعل المرء يفكر ويفكر قبل الخوض فيها فإن الموروث التراثي الناصع يقوي العزيمة ويدعم الثقة فقد برز الاهتمام في الآونة الأخيرة ببناء استراحات ترفيهية عدة إلى جانب المنتجعات المتعددة في عدة أماكن في المدن والمحافظات والمراكز نظراً لاهتمام المجتمع بها ولا يكاد يمر شهر ولا عام دون أن تسمع أو تقرأ عبر وسائل الإعلام المختلفة أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن افتتاح استراحات حديثة في أماكن عدة مبنية على الطراز المعماري القديم أو المعماري الحديث وهكذا كل صاحب مشروع يحاول إدخال الأشياء الجميلة داخل هذه الاستراحات بقدر الإمكان إلا أن استراحة المستظلة الواقعة في محافظة الدرعية بالذات مختلفة اختلافاً جذرياً وكلياً عن تلك الاستراحات الموجودة على الساحة الآن؛ وذلك بإدخال الخامات المحلية في بنائها التي تعكس الموروث التراثي العريق، حيث يجد الزائر اهتماماً كبيراً بجماليات الحيطان والأسقف والزخارف في جوانب عدة من البناء الداخلي لتلك الغرف والمجالس، حيث إن هذه الأشكال وهذه اللوحات الجمالية تؤثّر تأثيراً كبيراً على من يشاهدها وتضيف أشكالاً جميلة على كل مكان وتعكس صورة رائعة ودقيقة بالاهتمام الكبير بهذه الاستراحات، كم هو جميل أن يرى المرء تلك الخامات المحلية تستخدم في معالمها التراثية فهذه الأشكال الجمالية في مجملها العام فن رائع بات يشار له بالبنان.. فقد تثير دهشة الزائر بما تتضمنه من إبداعات، لقد بات الفن التراثي العريق يطفو على السطح من زخارف وخطوط وحروف فقد أبدع مصمم الأعمال التراثية الأستاذ فهد بن حسن الجبهان صاحب النظرة الثاقبة والموهبة العالية فلا تبقى بصيرته عند ظواهر الأشياء فقط ولا يتوقف خياله عند حد معين، بل تنفذ بصيرته لما يمكن بأعماق الأشياء ويتوغل خياله لرؤية الإمكانات الجياشة التي تختفي خلف الظواهر الساكنة ويتحسس لما هو منجز ليرسم في خياله الخفاق ما يمكن إنجازه مما هو أبعد من ذلك وأعمق غوراً وأكثر روعةً وجمالاً وأوسع نفعاً وأشد تأثيراً، ومع كل هذا الثراء فإنه ما زال يواصل أعماله التراثية فقد صنعها كلهايده الماهرة بصبر لا يعرف الملل وبرغبة لا تعرف الفتور - لكنه كان ضنيناً بأعماله الخفية الرائعة بالرغبة والحماس والهواية ويجد نفسه أحياناً منغمساً في العمل ومتعة لا يعادلها أي متعة وذلك لحبه لتلك الأعمال التراثية التي تلامس النفس فتملؤها سروراً وغبطة - لكن المساحة المتاحة لا تسمح بأكثر مما قلنا - وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق. فالحكمة القديمة تقول: (إن الصورة أبلغ من ألف كلمة)
والحكمة الحديثة تقول: (زيارة واحدة أبلغ من ألف معلومة)، والله الموفّق والمعين.