د. محمد بن يحيى الفال
في عالم الطب تُعرف المعاجم الطبية مصطلح المتلازمة(Syndrome ) بأنها مجموعة من الأعراض المرضية التي تتفاعل مع بعضها البعض وتتميز بكونها شاذة عن النمط المُعتاد وغير سوية، وينتج عنها أمراض عصية على العلاج الطبي، ولو أسقطنا مصطلح المتلازمة الطبي على عالم السياسة ونُظم الحكم لوجدنا تشابهاً يصل لحد التطابق بينه وبين آليات الحكم التي ينتهجها نظام الملالي في طهران، وذلك من خلال محورين رئيسين يتفاعلان مع بعضهما البعض ويتمثلان في الهاجس الذي أضحي كمرض عُضال مستعصٍ على العلاج لتصدير الثورة كسبب كانت نتيجته تصدير ثروة الإيرانيين لتحقيقه، ولتتشكل حالة تتطابق مع أعراض المتلازمة الطبية، والتي يمكن وصفها بمتلازمة الملالي (Mullahs) Syndrome).
مرض تصدير الثورة الإسلامية المزعومة للعالم الإسلامي نجده في ديباجة الدستور الإيراني والذي جاء فيه» وبالنظر إلي محتوى الثورة الإسلامية في إيران، والتي كانت حركة تهدف إلى نصرة المستضعفين على المستكبرين، فإن الدستور يعد الظروف لاستمرارية هذه الثورة داخل البلاد وخارجها»، ونرى التعارض بين الديباجة الآنفة المذكورة في الدستور التي تدعو لنشر الثورة الإسلامية مع المادة 152 من الدستور نفسه، والتي جاء فيها» تقوم السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية على رفض كل أشكال التسلط أو ممارسته أو الخضوع له». عليه نرى جلياً التناقض الحاد في ما احتواه الدستور، بيد أن مسار الأحداث والمُشاهد للجميع هو أن السياسة الخارجية الإيرانية ومنذ الثورة الإسلامية المزعومة فركيزتها الأولى والمحورية هي تصدير الثورة لكل بقعة من العالم الإسلامي تجد فيها فرصة لذلك، بداية بالإقليم ومتمددة للإطراف، في أيدلوجية تتطابق تماماً مع أيدلوجية تنظيم داعش الإرهابي، الذي كان شعار دولته المزعومة»باقية وتتمدد».
لم يكن مرض وهاجس تصدير الثورة بلا ثمن، فقد تم دفع فاتورته الباهظة التكاليف من قوت وعرق الشعوب الإيرانية التي نُهبت ثرواتها وانتفضت مرارا وتكرارا وستستمر في الانتفاض بعد أن كسرت هاجس الخوف من قسوة ووحشية النظام مطالبة بأبسط حقوقها وهي ثروتها المنهوبة والمهدرة لتحقيق أضغاث أحلام الملالي لتصدير الثورة.
ففي سوريا ضُخت أموال ضخمة من ثروة الشعوب الإيرانية ومنذ سنوات لدعم سفاح مرفوض من غالبية الشعب السوري، والذي لم يتوانى عن قتلهم بكل الوسائل الوحشية والأسلحة الفتاكة بما فيها الأسلحة الكيمائية، والتي شاهد العالم صورا مرعبة لأطفال ونساء ورجال تزبد أفواههم ليلقوا حتفهم بصورة غاية في البربرية والوحشية، ودمرت بشكل ممنهج المدن والقرى والأرياف السورية بقصف الطائرات والبراميل المتفجرة، وأضحت أثراً بعد عين، ولتذكرنا الصور عن فظاعة التدمير والخراب الذي حل بسوريا بصور لمشاهد من الحرب العالمية الثانية.
وفي العراق بددت أموال الشعوب الإيرانية بمبالغ هائلة لدعم الميلشيات الطائفية والتي تم تكليفها بإشاعة الفوضى والخراب والقتل على الهوية وتقويض السلم والأمن في بلاد الرافدين. بلاد الأرز، لبنان والتي ساعدته حنكة قادة المملكة من أخراجه من أتون حرب طائفية مدمرة، وذلك من خلال اتفاق الطائف الذي أعاد له الأمن والاستقرار بعد غياب طويل، وهو الأمر الذي لم يطب لملالي إيران فحركوا دميتهم في لبنان والمتمثلة في حزب الله لتقويض أمن لبنان من جديد وإعادته للمربع الأول من عدم الاستقرار وجعله كقنبلة موقوتة بأزمات مستمرة لا يُعرف متى ستنفجر.
وطبعا وكما هو الحال في العراق وسوريا فإن ثمن تدخل ملالي إيران في الشأن اللبناني فقد تم دفع فاتورته من ثروة الشعب الإيراني، وكما صرح بذلك وعلناً وعلى رأس الأشهاد أمين عام حزب الله حسن نصر الله. واليمن أخر ولن يكون الأخير لمعاقل تبديد ثروة الشعوب الإيرانية في تأجيج الصراعات المؤدلجة طائفياً، زود فيه الملالي عصابة الحوثي الانقلابية بالأموال والسلاح بما في ذلك الصواريخ الباليستية لأهداف شريرة لتهديد أمن وسلامة المنطقة، ولم ينتفع منها شعب اليمن الشقيق سوى الدمار والخراب. لم يكتف ملالي إيران بتبديد ثروة الإيرانيين في أيدلوجية تصدير الثورة المزعومة، بل زجوا كذلك بالشباب وحتى الأطفال في الصراعات التي ليس للشعوب الإيرانية ناقة فيها أو جمل، وأصبح منظر وصول نعوش الإيرانيين الذين قتلوا في صراعات تدخلات الملالي العبثية امراً متكرراً ومٌشاهدا من قبل الإيرانيين والذين ينتفضون الآن، وكما فعلوا سابقاً لوقف هذا العبث بأرواحهم وثرواتهم.
من الملفت للنظر ومن منطلق مقولة كاد المريب أن يقول خذوني وكأنه يدين نظامه الديكتاتوري، فلقد صرح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف» بأنه لا يمكن لأي دولة بالمنطقة أن توفر الأمن لنفسها من خلال زعزعة أمن جيرانها»، تصريح ينطبق جملةُ وتفصيلاً على دور ملالي إيران لإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، الأمر الذي وعته الشعوب الإيرانية كما تعيه كل شعوب المنطقة.
مسار أحداث المنطقة على أرض الواقع أثبت للجميع بأن المستضعفين الذين جاء ذكرهم في ديباجة الدستور الإيراني وبددت ثروات الشعوب الإيرانية لنصرتهم لم يكونوا سوى أمثال قاتلي شعوبهم كسفاح دمشق، أو قاتلي الأبرياء على الهوية كما تفعل بعض الميلشيات الشيعية في العراق، أو الدُمى المأجورة لتقويض أمن وسلم الآخرين كما يفعل حزب الله في لبنان، أو شرذمة منقلبة على الشرعية المعترف بها دولياً، البائعين لأوطانهم كعصابة الحوثي في اليمن.
المتلازمة في عالم الطب ليس لها علاج ويبدو أن متلازمة الملالي في تصدير الثورة والثروة هي الأخرى لا علاج لها، مع اختلاف بأن الحل الوحيد لمتلازمة الملالي هو استئصالها من قِبل من تضرر منها بلا بريق أمل لحل طال انتظاره، وهم في هذه الحالة الشعوب الإيرانية المحرومة من ثروتها بسبب الملالي المتلبسين بالدين لتصدير ثورة هي في أصلها بعيدة كل البعد عن قيم الإسلام السمحة ومعانيه السامية في التعايش وإعمار الأرض لما فيه خير البلاد والعباد.