زكية إبراهيم الحجي
له سحره وجماله وجاذبيته.. يستوقف الناظر ويثير الدهشة والإعجاب.. ممتهنوه يتبارون في رسمه وتطريزه ويجعلون من حروفه الصامتة حروفاً تنطق بحركة الحيوية ليعبر عن جماله في أشكال وحركات تجعله يتكلم من غير لسان إنه الخط العربي الذي نزل به القرآن الكريم فزاد في جماله جمالاً.. يُظهر الإجلال لكلام الله عزَّ وجلَّ والمكانة العليا للقرآن الكريم
الخط والكتابة وجهان لعملة واحدة وهما عصارة فكر الإنسان الذي فكر في الإبداع منذ الأزل.. وسيبقى هذا الإنسان يفكر في خلود الذكر الطيب والأثر الجميل وبصمات الإبداع لتستمتع به الأجيال المتعاقبة.. ونظراً لقيمة هذا الفن وبروزه كعلم فقد استمر محفوراً على جدران وقباب قصور الأندلس لثمانية قرون كان خلالها مثالاً يحتذى للنهضة التي خلفها المسلمون العرب في الأندلس.
الخط لسان اليد ومزمار المعاني يخرج من دائرة الضوء في عصرنا الحالي ويواجه مأزقاً شديداً ليشهد تراجعاً وسط عالم تسوده ثقافة الأداء السريع بسبب انتشار التكنولوجيا وأجهزة الحاسوب بتقنياتها المختلفة وما توفره من تطبيقات متنوعة لاستخدام مختلف أشكال فن الخط بتقنيات مبهرة مما أنسانا القلم والورقة وريشة رسم الحروف.. وبالتالي تراجع الإقبال على إتقانه من مختلف الأعمار، حيث حلّت لوحة مفاتيح تداعبها أنامل الإنسان بكل رشاقة.
فإذا كان الخط العربي عنصراً أساسياً للفن العربي والإسلامي ورمزاً قوياً لحضارة المسلمين يعبر عن عمق الهوية والأصالة بما يعكسه من عمق تاريخي وإحساس فني وتذوق جمالي وبما يجسده من أبعاد تجريدية تترجم مواقف الإنسان العربي بكل ما يحيط به وتلعب دوراً حيوياً في تعزيز الإحساس بقيمته الفنية والجمالية.. ولأنه ارتبط بمجالات متعددة تشمل الثقافة والعمارة والتعليم والإدارة فإني أجد أن سحر هذا المزمار الناطق بصمت والمتدفق كجوقة تأخذ بالألباب بدأ يُنظر إليها نظرة كلاسيكية عفا عليها الزمن في عصر التقنيات الحديثة.
غياب ثقافة الخط العربي بجميع أنواعه من صحفنا وضعف الاهتمام به في مدارسنا رغم أن الكثير من الطلبة والطالبات يملك مهارة فن الخط لكنهم يفتقدون الاهتمام لصقل موهبتهم عن طريق التدريب والدعم والتعزيز ومن ثم الاستعانة بهم في تنفيذ أعمال لبعض المؤسسات أو معارض وغيرها.. في ذات السياق نحن نفتقد معاهد متخصصة لتدريس مادة الخط وتنمية مهاراتها لدى كل من يمتلك موهبة فن الخط.
الخط العربي وعاء للغة العربية والاهتمام باللغة يعكس الاهتمام بالخط.. والخط لسان اليد ورسول الفكر ومزمار المعاني.. يقول بيكاسو زعيم الرسم الحديث «إن أقصى ما وصلت إليه في فن الرسم وجدت الخط العربي قد سبقني إليه منذ أمد بعيد.