يا غائباً في الثرى تبلى محاسنه
الله يوليك غفراناً وإحسانا
الموت حق، وكل نفس دبت على أديم هذا الكوكب الأرضي ذائقة الموت، من بني البشر، ومن سائر الكائنات الحية على اختلاف أشكالها وألوانها، حتى يخلو سطح الأرض منهم فلا يحس بموت شيء من تلك الكائنات سوى الأخيار من بني آدم..، فإن البعض منهم يظل ذكره الطيب طرياً تلذ به الأسماع حينما يذكر، وإن بات تحت طيات الثرى.. خاصة من كانت له آثار حميدة في مجتمعه، وفي محيطه الأسري.. حسب المستوى العلمي في خدمة وطنه وأهله..، وهذا يذكرنا بسيرة إبراهيم بن مقرن بن إبراهيم الوايلي - أبو وائل - الذي انتقل إلى جوار ربه يوم الأربعاء 23-4-1439هـ بعد حياة طويلة حافلة بالكفاح والعمل الجاد، وقد أديت عليه صلاة الميت بعد صلاة ظهر يوم الخميس 24-4-1439هـ بجامع البابطين، شمال مدينة الرياض، وقد شهد المسجد جموعاً غفيرة من المصلين داعين المولى له بالمغفرة، ثم حمل جثمانه الطاهر إلى مقبرة الشمال المتاخمة إلى «بنبان» حيث تبعه خلق كثير حتى وارته الترب في جدثه، ولك أيها القارئ الكريم أن تتصور حال أبنائه، وما بداخلهم من حزن عميق ولوعات الفراق الأبدي، وهم يهيلون التراب على جثمان أبيهم ومحاجر عيونهم تهمي على ثراه دمعات حراء كان الله في عونهم وعون محبيه.
وكل مصيبات الزمان وجدتها
سوى فرقة الأحباب هينة الخطب
وكانت ولادته في الرويضة عام 1341هـ تقريباً وقد ترعرع وعاش بين أحضان والديه في بلدهم «البير» التابعة لمحافظة ثادق، وعند بلوغه السابعة من عمره ألحقه والده بإحدى مدارس الكتاب لتعلم الكتابة والقراءة، وحفظ ما تيسر من كتاب الله العزيز الحكيم، ثم أخذ يعمل مع والده في أعمال الفلاحة والزراعة..، وتأبير فسائل نخيلهم في مواسم ظهور الحمل من أكمامها.. فهو معين لوالده في كل ما يقدر عليه رغم حداثة سنه..، بعد ذلك انتقل إلى بلدة الرويضة التابعة لمحافظة ثادق، ملفياً على الشيخ إبراهيم بن خنيزان، وظل بجانبه فترة من الزمن، ثم انتقل إلى حريملاء فعمل معنا في التسعينيات.. بالمدرسة المتوسطة والثانوية حيث كنت مديراً لهما - آنذاك - وكان نشطاً في أداء عمله هو وزميله وصديقه ناصر بن محمد المهوس - رحمهما الله - فطابعهما الجد والمواظبة في العمل..، وكانا يتمتعان بالفكاهة والمرح، وبالمداعبات الخفيفة فيما بينهما وبعض المعلمين فموظفي المدرسة كالأسرة الواحدة في تعاونهم وتآلفهم..، وعندما نهم بتناول طعام الغداء أو العشاء في غابات الشعيب شعيب حريملاء رحب المناكب والجوانب..، وخاصة في الإجازات الاسبوعية فإنهما يسبقان المعلمين وموظفي المدرسة بجمع الحطب، وذبح الخروف وإعداد الطعام..، فالمتنزهات الخلوية في مثل تلك الغابات والشعاب تبهج النفوس بمشاهدات المناظر الطبيعية من جبال وآكام، وأشجار سامقات وارفات الظل تنوء بعض أغصانها بأنواع الطيور مثل الحمام وهن ينحن ويشدون بأصوات شجية تلزم السمامع للإنصات إلى ترنمهن بأصوات تلذ الآذان لسماعها.. ولله قول الشاعر:
هتوف الضحى بين الغصون طروب
تجاوب ورقاً قد أصخن لصوتها
وقول الآخر:
حمام الأيك مالك باكياً
أفارقت خلاً أم جفاك حبيب
وفي تلك الليالي يحلو السمر، وما يجري فيها من تداول أحاديث شيقة وقصص جميلة مفيدة، وبعض المساجلات الشعرية بين المعلمين ترويحاً وتجديداً لنشاطهم وخلاياهم الذهنية..، متمنين عودة تلك الليالي المقمرة، والساعات الجميلة، ولكن هيهات رجوعها، ولقد صدق الشاعر القائل:
وليست عشيات الحمى برواجع
عليك ولكن خل عينيك تدمعا
وعلى أي حال فإن الذكريات الجميلة مع - أبو وائل - يحلو ترديدها.. وفي عام 1400هـ انتقل إلى الرياض وعمل في مستودعات إدارة التعليم عدداً من السنين محبوباً لدى رؤسائه وزملائه، حتى تقاعد حميد السيرة والأمانة، والذكر الحسن، وظل - رحمه الله - بعد ذلك يزاول بعض الأعمال الحرة، يكد ويكدح لأجل إسعاد أسرته وأطفاله الصغار حتى كبروا وشقوا طريقهم في الحياة معززين ومعتمدين على الله جل ثناؤه. ثم على سواعدهم.
وإنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعول في الدنيا على رجل
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وألهم أسرته وأخاه محمد، وأبناءه وبناته وعقيلته أم وائل وأسرة آل خنيزان وجميع من له صلة نسب ورحم، ومحبيه الصبر والسلوان.
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف - حريملاء