يقول فريدريك تايلور في كتابه «إدارة الورشة» الصادر عام 1930م: «إن فن الإدارة هو المعرفة الدقيقة لما تريد من الرجال عمله، ثم التأكد من أنهم يقومون بعمله بأحسن طريقة وأرخصها». أما تعريف كونتز وأودانول: «فإن الإدارة هي وظيفة تنفيذ الأشياء عن طريق الآخرين». ومن كتاب حياة في الإدارة للمرحوم - بإذن الله - الدكتور السفير الوزير الأديب غازي القصيبي «الذين يعرفون فرحة الوصول إلى أعلى السلم هم الذين بدئوا من أسفله. والذين يبدؤون بأعلى السلم لن يكون أمامهم إلا النزول». هناك الكثير من المديرين بدؤوا من أعلى السلم لظروف مختلفة ومواقف مختلفة وأسباب مختلفة باختلاف قدراتهم وخبراتهم. بعض هؤلاء الذين وصلوا إلى أعلى السلم شعروا بأنهم يتصفون بصفات الطاووس.
الطاووس أجمل الطيور على الإطلاق بلا منافس، ويتصف بالجمال والزهو، والكبرياء، والغرور، والعجرفة، ويتميز بمشيته التي تعكس الكبرياء والتألق.. فهو كذلك، والله سبحانه وتعالى خلقه هكذا. أريتهم جمال ذيل الطاووس الذي يبلغ طولها قرابة خمسة أضعاف طول جسمه، ومع هذا الجمال لا يستطيع المشي إلا لمسافات قصيرة جدًّا. الطاووس والمدير المتكبر المتغطرس يربطهما نظرة الناس لهما. الطاووس يعجب به الناس، والمدير الطاووس ينفِّر الموظفين من حوله؛ فهو لا يتسم بجمال الطاووس، ولا يعرف للإدارة وإدارة الموظفين أي شيء سوى تلك النظرات الخائفة التي تعرف ماذا تنتظر. لا أظن أن هذا المدير سوف يلبس ثوب الطاووس، ولعله يجد نفسه تائهًا بين نفسه وأعلى السلم الذي وصل إليه. الفشل حتمًا هو مصير المدير الطاووس، لكن الواقع غير ذلك.. النجاح والشهرة.. ترى هل يصمد في أعلى السلم؟ أم يعرف قدراته وينزل؟ أم ينزل حين لا يثبت نفسه؟ وكيف ذلك وهو من وجد نفسه هناك في القمة، لا ينازعه على هذا المنصب الإداري سوى نفسه. إحراجات كثيرة ومواقف صعبة رأيتموها وسمعتموها في محيطكم الصغير والكبير عن مديرين تصببوا عرقًا، وشعروا بدوار، يشبه دوار البحر، حين طُلب منهم إبداء رأيهم في موضوع النقاش؛ فتلعثموا، وأخذوا يتلفتون من حولهم، يبحثون عن منقذ؛ لعل وعسى، لكن الواقع واقعهم، والنجاح طريقهم، والنزول صعب المنال.
لست أدري ما هي مشاعر الموظفين الذين يرأسهم، والذين يتحدثون معه؛ فهو ضحل المعلومات والخبرة والدراية والإنسانية.. وهناك من الموظفين الذين يقفون إلى جانبه؛ فهو سهل في إدارته، سهل في تحقيق طلباتهم؛ فهو مدير متسلق، وهم يريدون أن يتسلقوا. شر البلية ما يضحك، والنتيجة فشل الإدارة في أدائها ونتائجها، وتحطيم أهدافها، والتخبط والضياع.. للأسف هناك من يقبل هذا الوضع، وهناك من يقوم بتنزيل المدير الطاووس من أعلى السلم، ويأخذ بيده، ويضعه في أول درجة من درجات سلم النجاح. أقتبس «النجاح علم، فإذا كانت لديك المقدمات ستحصل على النتائج». ربما نسأل هذا المدير الطاووس حين يكون مديرًا يستحق إدارة الناس حتمًا سيقول: «النجاح جزء كبير من السعادة، والطموح شعلة تضيء طريق النجاح.. وكما هو معروف، إن ما تحصل عليه من دون جهد أو ثمن ليس له قيمة». وفي الختام من عبارات شكسبير في النجاح «النجاح سلم لا تستطيع تسلقه ويداك في جيبك». فالنجاح يحتاج إلى جهد وعمل، ولا يأتي بالتمني والخوف من الصعود، بل بالإصرار والتحدي، لا بمواصفات الطاووس.