نعلم جميعًا أن أغلبية سكان الأرض يتألمون بسبب الأزمات الخانقة والمآسي الكارثية والقلاقل السياسية التي أدت إلى نشوء مشكلات معقدة لا تزال عصية على الحل. فمنذ انتهاء الحربين العالميتين، مرورًا بحرب النجوم فالحرب الباردة ثم سعي بعض الدول إلى تطوير وامتلاك أسلحة كيميائية وبيولوجية تهدد الحياة على كوكب الأرض، منذ ذلك الوقت وعالمنا المعاصر ما يزال يعاني بل ينزف ويصرخ ويئن تحت وطأة الأقوياء والجبابرة كنتيجة طبيعية لسلب الحقوق الإنسانية واستباحة مكتسبات وثروات الشعوب.
تأتي هذه الاعتداءات المتكررة بغية تحقيق أطماع سياسية واقتصادية على الأرض، وفرض الهيمنة والسيطرة على دول كانت مستقرة وآمنة مطمئنة. ومن هنا تفجرت الثورات واندلعت الصراعات العسكرية الدموية والأعمال الإرهابية للمنظمات المتمردة والدول المارقة دونما وازع من دين أو احترام لقانون. كما أفرزت هذه السياسات العدوانية الجديدة مشكلات عالمية أخرى كأزمة النزوح التي تعد وصمة عار على جبين المجتمع الدولي حيث رفضت وترددت كثير من الدول في استقبال النازحين الفارين من لهيب النزاعات المسلحة، بالرغم من قبول عدد ضئيل منهم من قبل حكومات دول أوروبية كانت حتى وقت قريب تتباهى باحترام الحريات وحقوق الإِنسان، وتنادي بتوفير سبل العيش الكريم، وتؤكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها على الأرض التي احتلت من قبل الغزاة والمعتدين.
كما يعاني العالم اليوم - نتيجة للسياسات الفاشلة وجنون العظمة والغطرسة - من مآسٍ أخرى عديدة كانتشار الأوبئة في مناطق الصراع، والجفاف في القارة السمراء وتلوث الماء والهواء، إضافة إلى مآسي الفقر والجوع واللاجئين والمهاجرين والاتجار بالبشر والفساد وتهميش حقوق الأقليات العرقية في دول عديدة من العالم.
نعلم كذلك أن الله خلق الأرض لإعمارها وليس لتدميرها؟ إلا أن ما نشاهده منذ عقود طويلة مضت وحتى اليوم هو حتمًا مخيب لآمال البشرية التي تتطلع إلى حياة كريمة يسودها الأمن والأمان والسلم والاستقرار والعدالة والمساواة. لقد سعت دول كثيرة منذ عشرات السنين إلى امتلاك أسلحة كيميائية وجرثومية خطيرة لفرض سياستها وبسط هيمنتها وسيطرتها على الدول الأقل تسليحًا والأضعف قدرات. فهل هناك فرق بين قانون الغاب وبين القوانين والمواثيق والقرارات الأممية التي يحق للخمسة الكبار نقضها بكلمة واحدة VETO؟
نعلم أيضًا أن مجلس الأمن الدولي هو الجهة الدولية المخولة بحل القضايا العالمية وإرساء الأمن والسلام في كل مناطق الصراع والنزاع، ولذلك نبتهج حينا عندما ترتفع الأيادي معلنة التصويت الجماعي بنعم لصالح قرار أممي في قضية من قضايا العالم التي تمس حقوق المدنيين وتهتم بنصرة المنكوبين والمضطهدين، وما هي إلا لحظات حتى نرى يدًا واحدة ترتفع فوق كل الأيادي والاكتاف معلنة حق النقض الفيتو الذي يمنح الدول دائمة العضوية حق النقض على أي قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي.
فهل من المعقول أن تتحكم خمس دول فقط بمصير العالم كله بحجة أنها الدول الأقوى نفوذًا في العالم؟ وكيف يسمح لها المجتمع الدولي بانتهاك وخرق القوانين والأعراف الدولية التي تعد منهجًا ومرجعًا دوليًا منظمًا ومؤكّدًا على احترام كل المعاهدات والاتفاقيات الدولية. ومثال ذلك دخول روسيا عسكريًا في الحرب السورية - السورية دون موافقة مجلس الأمن الدولي على ذلك، بل إن مجلس الأمن الدولي أخفق في تمرير بيان للتنديد بالعدوان الروسي بسبب استخدام مندوب روسيا لحق النقض. فأي مجلس هذا!، وأي أمن دولي مستتب!
أين الضمير العالمي من كل هذه المآسي، ولماذا الصمت الدولي، وكيف تقف الدول الأخرى موقف المتفرج إزاء صوت واحد معارض (الصوت الروسي) مقابل كل الأصوات والنداءات والصرخات المدوية التي تنطلق من حناجر النازحين والمهجرين والمسلوبين والمظلومين؟
سمعنا عن مؤتمرات عالمية ومبادرات ووساطات وجهود دولية كثيرة فشلت حتى الآن في حل قضايا العالم المختلفة والمتجددة بسبب تعنت بعض الدول ذات القوة والنفوذ كروسيا وإيران والصين وكوريا الشمالية، وامتناع دول أخرى قوية عن المبادرة بالتدخل لنصرة الإنسانية وإيقاف الحروب كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. لا أرى سبيلاً في اعتقادي ولا بارقة أمل تلوح في الأفق لحل القضايا العالمية العالقة ووقف المجازر البشرية إلا بإجراء عمليات استفتاء شعبية بإشراف الأمم المتحدة لوقف وتسليم ومصادرة أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها الدول الكبرى، ثم إجراء تعديلات على خريطة العالم في أقصى الشمال الشرقي والغربي من العالم.
وكما رسمت الدول الاستعمارية آنذاك خريطة الشرق الأوسط بعد اتفاق سايكس بيكو الشهير الذي تم عام 1916م بتفاهمات سرية بين فرنسا وبريطانيا، ومصادقة روسية لاقتسام مناطق النفوذ بعد تهاوي الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، لذلك أرى أنه من الضروري تعزيز وتوحيد الجهود الدولية لرسم خريطة جديدة يتم من خلالها تحديد كانتونات أو تقسيمات إدارية لمناطق آمنة مدعومة أمميًا بالخدمات الأساسية اللازمة لاستقبال وإيواء أعداد كبيرة من المهجرين والنازحين عن مناطق الصراعات المسلحة.
ومن أجل أن تسعد البشرية على الأرض التي هيأ الله لحياة الإنسان كي يعيش عليها ويسعى في مناكبها ويكسب منها رزقه وقوته في حالة من السلام والاستقرار والعدالة الاجتماعية، ومن أجل إيقاف سباق التسلح وحقن الدماء البريئة، ومساعدة الدول الفقيرة، ومكافحة مثلث الفقر والجوع والمرض، وتقرير مصير الشعوب المغتصبة أرضها والمهضومة حقوقها مثلما يحدث لأقلية الروهينجيا في ولاية أراكان غربي ميانمار حيث تشير التقديرات عام 2012 إلى وجود أكثر من 800.000 روهينجي في أراكان، وتعتبرهم الأمم المتحدة بأنهم أكثر الأقليات اضطهادًا في العالم، والذين فر عديد منهم للعيش في مخيمات للاجئين في بنجلاديش المجاورة وعدد من المناطق داخل تايلند على الحدود مع بورما.
ومثال آخر لما يحدث في فلسطين العربية المحتلة التي وقعت تحت الانتداب البريطاني عام 1922 بعد الحرب العالمية الأولى عندما عقدت بريطانيا وعد بلفور عام 1917م الذي يقضي بتقسيم أرض الشرق الأوسط، وجعل فلسطين وطنًا قوميًا لليهود، ما أدى إلى حرق المقدسات لطمس الهوية العربية وتهجير الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني، وفرض حصار مطبق على من تبقى منهم داخل الخط الأخضر وخارجه.
وبما أن بعضًا من الدول تزيد مساحتها على سبعة ملايين كيلو متر مربع مثل روسيا وكندا وأمريكا والصين والبرازيل وأستراليا - في الوقت الذي تناضل أقليات عرقية لإيجاد موطئ قدم لها على الأرض- فماذا لو تبرعت كل من هذه الدول ذات المساحات الهائلة، بجزء صغير من مساحتها بحيث تتنازل عمّا نسبته 1.5 في المائة - 3.5 في المائة من مساحة الدولة لتمنح للأقليات العرقية ومن بينهم اليهود الذين يحتلون ويستوطنون أرض فلسطين. ولكي تبقى هذه المساحات تحت تصرف محكمة دولية لأجل أن يتم استقبال وإيواء اللاجئين والنازحين والمهاجرين لقطع الطريق على الهجرة غير الشرعية وتهريب اللاجئين عبر البحار والمحيطات.
كما نعلم أن جاليات عرقية كثيرة من حاملي الجنسية لا يسمح لهم بالتمتع بحقوق المواطنة الكاملة في مجالات عديدة بالرغم من حصولهم على جنسية الدولة التي يقيمون فيها. ومثال ذلك ما يحدث في دولة الاحتلال أو ما يسمى بإسرائيل حيث ينتهج الكيان الغاشم سياسة التمييز العنصري ضد العرب، ويتعامل معهم على أساس الدين وليس على أساس الجنسية.
ومرة أخرى، ومن أجل أن يعيش العالم بسلام ووئام واستقرار ورفاه اقتصادي، فإنه لا بد من تأسيس محكمة دولية عليا تُمنح صلاحيات واسعة وتتولى مسؤولياتها في حل القضايا التي تطرح على مستوى مجلس الأمن الدولي وتصطدم بالفيتو.