ماجدة السويِّح
كتب عميد الصحفيين السعوديين رئيس تحرير صحيفة الجزيرة مقاله الشهير مطلع 2018 «بيني وبين الصحافة.. الخوف عليها!» وتباينت ردود الأفعال والآراء بين مؤيد للدعم الحكومي لانتشال الصحف من أزمتها المالية بعد انحسار الإعلان، وبين متشائم يرى انتهاء الصحافة الورقية وعصر المؤسسات الصحفية، ويرى عدم مد يد العون لها، لاعتقاده بانتهاء دورها مع تحول الجمهور للصحافة الإليكترونية وشبكات الإعلام الاجتماعي، وبين متوازن يرى خطة الدعم المشروط لتجاوز الصحف من الأزمة الحالية والعمل على خطة مستقبلية للتحول الرقمي للمنتج الصحفي، وتنوع مصادر الدخل والاستثمار، بالإضافة إلى تعديل سياسة وقوانين العمل الإعلامي الذي ما زال يخضع المحتوى للرقابة، واختيار رئيس التحرير من قبل وزارة الإعلام.
الصحافة الغربية سبقتنا في معالجة الأزمة العالمية التي تواجه الصحافة الورقية، ولعل أشهر مثال صحيفة الواشنطن بوست التي عانت من تراجع في المبيعات خاصة بين الشباب، وتحول الإعلانات إلى الانترنت. التحديات أجبرت عائلة غراهام لبيع الصحيفة عام 2013 لمؤسس مجموعة «أمازون» جيف بيزوس. في لقاء مالك الصحيفة الجديد بطاقم العمل أطلق بيزوس عبارته المحفزة «لا يمكننا أن نكون في وضع البقاء على قيد الحياة. علينا أن نكون في وضع النمو»، وهي استراتيجية عظيمة، ساعدت على انتشال الواشنطن بوست من أزمتها بالتحول الرقمي لمنتجاتها، حيث تضاعف الإعلان عبر موقعها على الانترنت، وزيادة الاشتراكات، بعد خطة تحول وتطوير وبناء فرق عمل استغرقت سنوات.
التحول في الصناعة الصحفية والاستجابة للتغيرات المادية والتكنولوجية دفع أيضا صحيفة الجارديان هذا الأسبوع إلى التحول إلى حجم التابلويد، كما أسندت مهمة الطباعة لشركة أخرى لتوفير النفقات المادية. القرار تم اتخاذه قبل سبعة أشهر، كما أعادت الجارديان تصميم الموقع الإليكتروني ليتناسب مع التوجه الجديد للقراء، ويناسب القراء من خلال هواتفهم الذكية الاطلاع وقراءة آخر الأخبار والمقالات. كما خصصت الصحيفة للمعجبين والقرّاء المخلصين على موقعها أيقونة لدعم الصحيفة بالتبرع بـ1$.
عملية التحول الرقمي وتنويع مصادر الدخل للصحف، تحتاج لفترة زمنية لتنفيذها، والعمل على توفير المحتوى الذي يتناسب مع الوسيط الجديد، والقارئ الاليكتروني السريع، وإلى دعم حكومي لمساعدتها في عملية التحول لتلبية حاجات القرّاء المتجددة، فالمنتج الصحفي المحلي نجاحه واستمراره، مصدر أمان وحماية للمجتمع والفرد من الإعلام المضاد والمشحون، والمتلون بالمصالح السياسية والاقتصادية. الصحافة المحلية هي درع مقاومة وهجوم لا يستهان بهما في عصرنا الحاضر، وأداة مثلى لحفظ تاريخنا، وثقافتنا للأجيال القادمة.
المنتج الصحفي المحلي خاض حروبا ومعارك فكرية، وانتصر في معارك حاسمة، فكان القوة المساندة لتحقيق الأمن، والأداة التي تتميز بالمصداقية والموثوقية في الصد والدفاع عن الوطن ضد الإرهاب والمطامع السياسية من الدول الأخرى.
وأخيراً.. على خطى الجارديان وقرائها المخلصين، وعلى غرار هيئة الرياضة في إطلاق مبادرة «ادعم ناديك» أدعو هيئة الصحفيين السعوديين أن تتبنى مبادرة «ادعم صحيفتك» لتفعيل دور القارئ المحب لصحيفته وتنويع مصادر الدخل، بشرط ألا يقتصر هذا الدعم على الجانب المادي، بل يتعداه للجانب المعنوي من نقد، وتشجيع، واقتراح وتقديم نصائح وخبرات لتطوير الصحيفة.