د. محمد بن إبراهيم الملحم
عندما يتحدث أحد عن الإجازة في مجال إعلامي (مكتوب أو مرئي/مسموع) يبادر فوراً بالحديث عن السفر والرحلات البرية والبحرية والمتنزهات وتبادل الزيارات.. وكأنما جميع الطلاب والطالبات قاطبة يتمتعون بذلك، بينما قد يكون هذا واقع بعض الأسر أو ربما بعض المدن والمناطق ليبقى قطاع كبير (وكبير جداً في تصوري) من الطلاب لا يحصلون على أي من هذه الفرص في الإجازة، والأسباب متعددة وليست منحصرة في القدرة المادية فقط.
وهذا يقودني إلى أن أتامل معكم حال هؤلاء الطلاب، فهم غالباً يعيشون حالة الفراغ وربما الإحباط لعدم وجود ما يشغلهم أكثر من النوم والاستمتاع بالأجهزة الإكترونية، وليت شعري لو كان هذا الاستمتاع بالأجهزة الإكترونية فيما يبني مهاراتهم أو ملكاتهم وإنما هو في التطبيقات الصفرية (وهذه ترجمتي لمفردة Passive التي تعني سلبي بمعنى غير فعال)، فهي تطبيقات يستمعون لها أو يشاهدوها ولا يتفاعلوا معها لتكسبهم مهارات مفيدة ولذلك أطلقت عليها «صفرية» لأن القيمة التي تضيفها للمستخدم صفر تقريباً.
لماذا يشكو أبناؤنا من الفراغ في الإجازات؟.. هذا سؤال الدهر الذي كان يسأل وقت أن كنت طالباً ولا زال محل تساؤل ولكنه اليوم أكثر منه ذي قبل.. فجيل اليوم يفتقر أصلاً إلى المهارات الأكاديمية الأساسية ويفتقر إلى الشعور بالجدية مقارنة بجيل الأمس، فإذا أضفت إلى هذا المزيج الفراغ كان الناتج مقلقاً جداً، والحقيقة أن الأمر ما لم يكن هماً لدى المؤسسة التعليمية لتستهدفة بإستراتيجيات فاعلة فإنه سيستمر بنفس الوتيرة، والنشاط الطلابي هو محور الحل هنا، فعندما ينتشر بقوة وفاعلية ويبني المهارات ويستثير الهوايات لدى الطلاب (كل الطلاب) فإنه سيطلق «شغفهم» passion نحو الإنجاز والإبداع والإبتكار وتحقيق هدف الهواية أو المهارة في منتج جميل أو مبدع يفتخر به الطالب ويكرر ممارساته فيه يوماً بعد يوم لتقوى المهارة وتزدهر الهواية حتى تكون هي مجال شغل وقته وفراغه في مثل هذه الأيام، فهذا ما يفعله «الشغف» أيها الإخوة.
وفي رأيي إن مجال النشاط الطلابي مطالب أن يزدهر نوعياً ويثبت وجوده، كما أنه يجب أن ينتشر كميا ليحقق هذه الطموحات الوطنية بدل أن يطل علينا من فترة لأخرى بانتصارات بطولية يحققها كوكبة من الطلاب هنا وهناك في مجالات النشاط المتنوعة ليحتفل بهم في فرقعات إعلامية فيخدرنا ويشعرنا أنه موجود وله صوت مميز! ليسأل كل ولي أمر يقرأ هذه المقالة نفسه كم قدم النشاط الطلابي لابنه وابنته (أو لأبنائه وبناته) من مهارات وفرص تعلم وبناء شخصية عبر مسيرتهم التعليمية حتى الصف الذي وصلوا إليه اليوم أو حتى تخرجهم إن كانوا اليوم رجالاً في مجال العمل؟.. الإجابة غير سارة، أعلم ذلك جيداً، بل إن بعض أولياء الأمور قد يضحك، ويقول: بل اسألني كم قدم ابني للنشاط الطلابي، حيث استفادوا من مهارته التي بناها في المنزل عندنا أو في النادي الذي يرتاده وساعدته وشجعته عليها ثم أدخلوه في مسابقة ليرفع رأسهم ويحتفلوا بتحقيقهم مستويات مشرفة على مستوى منطقتهم التعليمية أو على مستوى الوزارة.
النشاط الطلابي لا يقل أهمية عن الحصة الدراسية بل هو في بعض الحالات يفوقها في مسيرة بعض الأشخاص الحياتية، فكم من شخص اتجه إلى ريادة الأعمال من خلال هوايته التي نماها عبر حياته فازدهر مستقبل عمله التجاري ولم يعمل بشهادته الأكاديمية، وكم موظف عمل بشهادته الأكاديمية ولكن استطاع من خلال هوايته ومهارته الخاصة أن يطور في مجال وظيفته أكثر مما قدم لها من شهادته فرقي في وظيفته إلى مستويات قيادية عليا، كل ذلك يصنعه النشاط أكثر مما تصنعه الدراسة والتخصص، بل إن كثيراً من المخترعين والمكتشفين تمثل المهارات الشخصية عاملاً مهماً في إنجازاتهم بجوار تمكنهم العلمي.. متى يستيقظ النشاط الطلابي من فراغه وإجازته ليملأ فراغ أبنائنا وبناتنا وإجازاتهم؟.