مها محمد الشريف
لا يمكن فصل الوعي عن مثيرات العالم الخارجي، لكن الصعوبة ستظهر عندما نريد تحديد دلالته بدقة، ومعرفة ما يمكن أن يصل إليه من حقائق، في هذا المستوى يطرح براتراند راسل أهمية الوعي وحالة اليقظة وما يصادف العالم من متغيرات.
لو جعلنا النتائج تقترن بالعصر الحديث ونبالغ في حقيقة العالم الخارجي، لتقلص الركود القديم في التطور وتعاظمت حياة الحلم بالمستقبل إلى أبعاده الصحيحة، فنحن في عصر التكنولوجيا ونشاط الطاقة ووسائل الاتصال الحديثة التي طورت ثقافة المجتمعات، ونظمت الأفكار والعلوم ونهضت أمم كثيرة بحكمائها وعلمائها وإعلامها.
المثقف يحرك التاريخ الصامت، ويثير مخاوف المواقف في أنحاء الداخل العربي والغربي مستنداً إلى غاية أفكاره، وينقل بؤس الاستعمار واضطهاده، وكافة صور القرون وأساطير الطغاة وعقدة السلام مهما كان تشكيل وعي المتلقي، ويدرك أن السؤال يتأطر ضمن الإشكال المتعلّق بمفهوم الحق في علاقاته بالحريات، ليس بوصفها إشكالاً نظرياً، وإنما باعتبارها ممارسة فعلية في الحياة اليومية وليس محصوراً في المجال السياسي فقط، مما يجعل إنقاذ الحق من الشك سياسة مجتمعية.
لم يكن لدى الإغريق بعد الحرب مع الرومان والحرب البولبونية إلا الحفاظ على جميع الصفوف من فيالق الرومان والأفواج، فالتاريخ اليوناني تشكَّل تبعاً لطريقة العيش ومبادئ نشأتهم، وتطوروا من خلال ذلك العهد الذي ازدهروا فيه، والقيم التي أبدعوا فيها برجال العلم وفلاسفة عصرهم مما أسهم في تعليم الفرد ثقافة وقيم مجتمعه وانتقال الثقافة من جيل لآخر.
فكلما تعمقنا وقرأنا تاريخ وحضارة اليونان نجدهما جوهران متمايزان لهما ارتباط وثيق بتاريخ حضارة الشرق الأدنى، فاليونان قد أخذوا من مصر وبلاد الرافدين علوم كثيرة منها الطب والتشريح، وفن النحت، كما أخذوا من بلاد وادي الرافدين مبادئ الرياضيات، وكذلك فن الشعر الملحمي، وكذلك الأساطير، وأخذوا من الفينيقيين أيضًا طريقة صُنع الزجاج وتأسيس المُدن، وفي هذه السياقات كلها تشكلت المعايير والمعارف والمهارات المتعلّقة بمسالك الثقافة والعلوم، والحضارة الإسلامية قد تأثرت بالحضارة اليونانية خصوصًا في العصر العباسي من خلال ترجمة الكتب اليونانية إلى العربية في شتى العلوم.
لقد استطاعت الحضارة اليونانية أن تتجاوز حدودها إلى آفاق الأرض خصوصًا في علوم الفلسفة، كان للتراث اليوناني أثره الكبير في نشأة الحضارة الأوروبية الحالية، فكانت رمز الفاعلية والإبداع في نزعة التقدّم والطموح المفرط نحو الاكتمال .
ولكن صراع البشر المرير لا يهدأ ولا تخمد ثورته فبعد الحرب العالمية الثانية تغيّرت الخارطة السياسية، والاجتماعية، والعسكرية في العالم، والعوامل المنظمة للأفعال والتصرفات، فقد انتهت الحرب وبقيت المدن بشرائعها وقضائها وآثارها بعدما تركها الفاتحون، وبقي الناس متشبثين بأنفسهم وهم في أشد الحاجة لمن يحمل معهم أعباء حياتهم وأمنهم في وقت مضطرب. وهبهم مزيداً من الزمن لحياة جديدة.
لا شيء أهم من عالم تعوزه الشجاعة تدفعه إلى خوض الحياة بنزاهة، كما اخترع نزعات تقنية مذهلة ومتميزة، عليه أن يجد سببًا منطقيا لتهافت الناس على الحرب والدمار، حتى بعد إنشاء الأمم المتحدة لتعزيز التعاون الدولي، ومنع الصراعات في المستقبل، لماذا العقول لا تدرك الحالة الواقعية لتكشف قوانين الظواهر وتراتيبها، وتكوين العلم باعتباره تنظيماً اجتماعياً؟