عبدالعزيز السماري
قد نختلف، وقد نتفق في كثير من وجهات النظر، ولكن لا يعني ذلك أن نكابر عندما تنال فئة اجتماعية حقوقها الطبيعية. كان آخر تلك الحقوق ما حدث من انفراج في قضية المرأة، وقد بدأت رحلتها منذ إقرار حقها الأولى في التعليم، وكان التيار المعارض آنذاك يغطي موقفه الاجتماعي بالرأي الديني، لكن العارفين ببواطن الأمور يدركون أنهم لا يستندون إلى موقف شرعي، فهل يعقل أن يمنع الدين الحنيف تعليم الأنثى!
كان المحور الثاني في قضية حقوق المرأة حقها في الخروج من بيتها، والعمل في أماكن مخصصة للنساء، وتحقق لها ذلك بعد معاناة، ومن بعد ذلك تتابعت الحقوق إلى الاعتراف الكامل برشدها، وذلك عندما سمحوا لها بحق العمل في مجالات جديدة، وبقيادة السيارة، والذهاب مع أبنائها لحضور المباريات والمهرجانات.
أخذ الأمر بمختلف اتجاهاته نحو ستة عقود، وهي فترة زمنية معقولة جدًّا عند مقارنتها بالتجارب الغربية. وأن تصل خيرٌ من أن لا تصل أبدًا. واتضحت الصورة في نهاية الأمر بأن الدين بريء من مسألة الاستبداد بحقوق المرأة الطبيعية، وأن التشريعات الدينية لا تقف مانعًا ضد قضايا حقوق الإنسان في الحياة الطبيعية.
هذا يقودنا إلى مزيد من التفكر في الحاجة إلى حزم مع أي معترض على هذا التوجُّه في ظل التطورات والمتغيرات الكبرى، التي قد تصاحبها موجات من التحريض والعنف.. حدث شيء من ذلك بعد الحراك الدموي في مكة عام 1979 فيما عُرف بحركة جهيمان والمهدي وما صاحبها من تراجع في مختلف أوجه الحياة الطبيعية.
الطريق الأمثل في قضايا الحقوق هو الطرح العقلاني وغير التحريضي، وأهم من ذلك فَهم أبعاد الانتقال السريع بدون المرور على مراحل ضرورية، فيما يُعرف بالطفرة؛ ولهذا يجب عدم التصعيد والتحريض أثناء مراحل الانتقال المتدرج؛ وذلك من أجل المحافظة على العلاقة الإيجابية والثقة المتبادلة بين السلطة والعقل.
ما يغيب عن أذهان بعض دعاة التطوير أن للسلطة عقلاً مثلما لهم عقول، وأن التواصل بينهما يجب أن يكون مبنيًّا على حُسن النوايا والثقة المتبادلة. والخطورة في الأمر عند حدوث اصطدام بين أحلام العقل التطويري بعقل السلطة الذي لديه أولويات، أهمها الاستقرار والمصالح ووحدة الوطن. ويؤدي اختلال هذه العلاقة إلى فقدان الثقة بينهما، وتحدث الكارثة.
لذلك فإن العقل الصدامي مع السلطة لا يحقق غايات المجتمع في الوصول المتدرج إلى الحقيقة في قضايا الحقوق الطبيعية، ولكن قد يدفعها للخروج عن طورها، وهو ما حدث في بعض البلدان بسبب تهور بعض العقول من الجانبين.
لهذا السبب كنت - وما زلت - من المعجبين بكلمة معاوية بن أبي سفيان الشهيرة: «إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها».
تمثل هذه العلاقة قمة الحكمة السياسية في المجتمعات التي تخوض أطوار التحول من مجتمعات بدائية إلى أحوال أكثر تحضرًا، وأقل عنفًا، وأكثر حبًّا للحياة.. ولعل سيرة حقوق المرأة تمثل تلك الشعرة التي لم تنقطع أبدًا بين السلطة والناس، وكانت النتيجة ما وصل إليه المجتمع من تطوُّر وتحوُّل إيجابي في هذا الشأن. والله الموفق.