د. عبدالرحمن الشلاش
كبار السن في المجتمع آباء وأجدادًا. أمهات وجدات قدموا كل ما يستطيعون في حياتهم. تعبوا، اجتهدوا، وكدوا في سبيل تربية أبنائهم، وباتوا اليوم وهم في مرحلة الضعف في انتظار رد الجميل في وقت صار الوفاء عملة نادرة بعد أن غربت شموس أهل الشيم. هذا الكلام ليس تشاؤمًا إنما صيد من الواقع اليومي.
حوادث ومواقف محزنة تتناقلتها وسائل الإعلام الرسمية وبعض المواقع الإخبارية من وقت لآخر عن حالات عقوق بالآباء والأمهات، وحالات جحود ونكران وعدم احترام لبعض كبار السن من بعض السفهاء والمراهقين وهم في عمر متقدم يأملون فيه من مجتمعهم مسحات من الاحترام والتقدير، ورد جميل ما قدموا من عطاءات في مرحلتي الشباب والكهولة. روايات كثيرة جداً لا يكفي هذا المقال لسردها.
هناك من يرى أن له فضلاً كبيرًا على أحد والديه عندما يستأجر له مسكناً ويستقدم له خادماً ليقوم برعايته والعناية به في هذه السن المتقدمة حيث لا يستطيع تدبير أموره على الرغم من خطورة ترك الوالدين أو أحدهما مع العمال والخدم. الطبيعي أن يبقى الوالد في المنزل مع الأسرة وعدم استثقال وجوده، فالله أمر ببره والإحسان إليه وكذلك الأم.
لا يمكن القبول بتركهما لوحدهما مهما كانت الأسباب، بل ضرورة القرب منهما ومباشرة خدمتهما فليس أشرف وأجل وأكثر قرباً من الله من خدمة الوالدين والبر بهما والإحسان إليهما.
أذكر قصة رجل مسن كان يسكن لوحده مع خادمه ويكتفي ذووه بزيارته بين فترة وأخرى هذا إن كان لديهم وقت يمنحونه له، أما بقية الأوقات فقد تركوه وحيداً يصارع الخوف والوحدة والغربة وغياب العناية والرعاية والمرض والعوز وفوق كل ذلك قلة الحيلة بين جدران المنزل الأربعة وعنده خادم لا يؤمن على الحيوان فما بالك بالإنسان كبير السن وعندما جاء أحد أبنائه في الصباح وجده ميتاً والخادم قد غادر المنزل وسط ظروف غامضة. لن أصف لكم كمية الندم التي اعتصرت قلوبهم لكن بعد فوات الأوان!
من أكبر المصائب التي تواجه بعض كبار السن وحسب دراسات علمية موثقة الجحود والنكران خاصة من أبنائهم وبناتهم، واعتبارهم لدى البعض هم ثقيل، وقد يلجأ بعض أشباه الرجال من الأبناء للتخلص من أمهاتهم أو آبائهم تحت ضغط الزوجات بإيداعهم دور المسنين وينقل لي أحد مديري دور المسنين وهو من أصحاب الخبرة قصصاً محزنة لآباء تركهم أبنائهم وبناتهم في الدار ولم يعودوا مرة أخرى لزيارتهم والاطمئنان عليهم على الرغم من سؤال الآباء الدائم عن أبنائهم وهل سأل عنهم أحد أو أن أحداً منهم ينوي زيارتهم، ظلوا يعيشون على هذه الآمال دون جدوى فقلوب الأبناء تحولت إلى كتل من الحجارة الصماء.