م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. قلة من الناس هم الذين تناولوا معنى ومفهوم القيادة عبر التاريخ.. فأول من تكلم عن معنى وسمات القيادة كان سقراط عام (400) قبل الميلاد، وكان يقصد بها «القائد العسكري».. ثم تناولها ميكيافيلي بمزيد من التفصيل عام (1400م) حينما نَظَّر لمفهوم (الغاية تبرر الوسيلة) وخص بها «القائد السياسي».. ثم وسَّعت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر معنى القيادة وصاروا يعنون بها «قيادات النقابات العمالية والمنظمات السرية».. ثم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام (1945م) انفجرت أدبيات القيادة وانتشرت في العالم كله.
2. مع مطلع الخمسينيات الميلادية وبعد توقف الحرب العالمية الثانية حصلت معظم الدول العربية على استقلالها وبدأ الصعود السياسي لحكام تلك المرحلة.. وبعد العدوان الثلاثي على مصر عام (1956م) صعد نجم الرئيس المصري جمال عبد الناصر وهيمن على الأذن العربية من خلال إذاعة «صوت العرب»، وأصبح بفضلها الزعيم العربي الأوحد.
3. عقب نكسة (1967م) أُعيد تشكيل معنى القيادة مرة أخرى في المصطلح العربي.. حيث انطفأت فكرة الزعيم العربي الأوحد ومعها خَفُتَ صوت الدعوة إلى الاتحاد العربي.. وتأصلت فكرة استقلالية كل دولة عربية وحلت الدولة الإقليمية محل القومية العربية.. وأصبح مصطلح «القيادة» يعني زعيم الدولة.
4. في السبعينيات الميلادية بزغت حركة الصحوة الدينية وبدأ طلعها بالإثمار.. فكانت صفة القيادة لا تُطْلق إلا على قادة الفتح الإسلامي الأوائل.
5. في الثمانينيات استفاق العرب المنتجون للنفط من سكرة الطفرة.. حيث هبطت كميات إنتاج البترول كما هبطت أسعاره.. في تلك المرحلة كان أوج زمن الصحوة وانفراد خطابها في المشهد العام.. إضافة إلى أن الحرب الأهلية في لبنان وحرب العراق مع إيران وجهاد العرب في أفغانستان كان على أشده.. حينئذ أصبح مصطلح «القائد» و»القيادة» واسع الانتشار والترديد، لكنه اقتصر على القيادة السياسية وقيادات الجماعات الجهادية.. ولم يدخل المصطلح إلى عالم الإدارة والاقتصاد والقطاع الخاص.
6. ثم في التسعينيات وبعد احتلال الكويت وتدمير العراق ولبنان والحرب الأهلية المستعرة في الجزائر.. بدأت تظهر أصوات تدعو إلى أن العالم العربي صار في حاجة إلى مدراء لا إلى قيادات.. لكن المصطلح استمر شائع الاستعمال في المجال السياسي.
7. ثم مع مطلع الألفية الثالثة اقتربنا في العالم العربي مع العالم المتقدم في تعريف «القيادة» وتحديد معناها.. فالقيادة هي قيادة إدارية في المقام الأول ويقع تحت مظلتها السياسي والعسكري.
8. ومع بدايات العقد الثاني من الألفية الثالثة بدأت تلوح في العالم ظاهرة المؤثرين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.. وأصبحوا يقودون توجيه الرأي العام في مجتمعاتهم وفي العالم.. واتسع بذلك مفهوم ومعنى القيادة.