هدى بنت فهد المعجل
تتناسل الهموم، تتناقص وتزداد سوى همّ الامتحان يزداد دون تناقص يستحق الذكر، هكذا عرفته منذ كنتُ طالبة تروح وتغدو كل صباح، متنقلة من مرحلة دراسية لأخرى، ويتنقل معها همّ الامتحان ورهبة ترقبه واهتزاز الكرسيّ من تحت كلّ جالسة عليه في قاعة الاختبار بعيونهن المتلصصة ذات اليمين وذات الشمال، في محاولة يائسة لالتقاط النتيجة النهائية لمسألة حسابية صعبت عليها وأُدرجت ضمن أسئلة الامتحان.
وبأيدٍ تعتصر الأذهان طمعاً في انسكاب حبر المعلومات المحفوظة في مكانها الصحيح لكن الأذهان تُبتلى بشيء من التكتل والجمود؛ فتختلط المعلومات وتتوه عن الطريق المعبّد نحو السؤال المخصص له.. كل ذلك بفعل الهموم وهي تزداد دون تناقص يذكر.
همّ يولِّد القلق، الخوف، انعدام الثقة بالنفس، الارتباك ومن ثم ضياع المعلومات، حتى إذا قُرع جرس انتهاء الفترة المخصصة للامتحان، وخرجت الطالبات إلى فناء المدرسة، وأخذن في مراجعة ما قُمْنَ بحله حتى تفاجأ (بثينة) أنها كانت على علم بالإجابة ولكنها في ساعة خوف نستها.
وتُصاب بالقهر (سوزان)، فقد سمَّعت لصديقتها (إلهام) الإجابة قبل بدء الاختبار ببضع دقائق، فكيف تركت مكان الإجابة فارغاً على الورقة..؟! إنها رهبة الامتحان وربِّي. استهلاك غير معقول للمحارم الورقية؛ ممَّا أدَّى إلى نفاد الكمية المقررة لكل صفّ فتم التنويه على الطالبات بإحضار ورق محارم معهنَّ من منازلهنَّ، فالدموع تنسكب بغزارة، والعرق يتصبّب في عزّ الشتاء القارص.. وحالات الإغماء تتكرَّر بشكل يدعو للقلق، وما من حلِّ سوى الترديد الروتينيّ المملّ لعبارات رفع المعنويات، وطرد شبح الخوف، والتوكُّل على الله والاعتماد عليه، إلا من اجتهادات بسيطة لتعزيز الثقة بالنفس وتقويتها من خلال جمل يرى البعض جدواها ووضعت في أماكن متفرقة.. في ممرات المدرسة، في الفناء، في قاعة الامتحان، وربما تقرَّر مستقبلاً كإطار تجمَّل به ورقة الامتحان «أنا على ثقة بقدراتي» «الامتحان سهل ولا صعوبة فيه» «أنا ممتازة ومتفوقة» «ليس أيسر علي من الاختبار».
عبارات لتعزيز الثقة بالنفس (كما قلتُ) تبَّت جدواها، واتَّضح أثرها على الطالبات ساعة الامتحان في القاعة، جرت الدماء في عروقهنَّ، ترطَّبتْ شفاههنَّ بعد أن كانت متشقِّقة كأرض قاحلة هجرتها السماء فمزَّق صدرَها الجفافُ، وبانت نواجذهنَّ وهنَّ يمتحنَّ فَرِحاتٍ مستبشراتٍ بنتائج تثلج صدور ولاة أمرهنَّ.
عبارات تعزيز أثبت العلُم الحديث جدواها ولكن هناك معلمات مستأسدات يقفن للطالبات بالمرصاد، ويهددن بأسئلة صعبة تعجيزية لا لشيء سوى لأن الطالبات مشاغبات.. أو غير متجاوبات، أو كسولات، أو مهملات، وما أن شعرت المعلمة بالفشل في تقويمهن حتى لجأت إلى أدنى سبل التأديب والردع ألا وهو سبيل التهديد الذي يكشف عن ضعف شخصية المعلمة بجانب فشلها (كما ذكرْتُ) في الرقيّ بهنَّ وبمستواهنَّ.
«بتشوفون كيف بتكون الأسئلة» «إذا ما بكيتوا في القاعة من صعوبة الأسئلة منيب أبلة ميرفت» «والله لعلِّمكم شغلكم زين» «هين الوعد في قاعة الاختبار». فترتعد فرائصهنّ ويتقدمْنَ نحو قاعة الاختبار بخطًى متراجعة؛ فقد ازداد لديهن منسوب همّ الامتحان بسبب طريقة تقويمية فاشلة مُورستْ ضدهنَّ من قِبَل معلمات دخيلات على سلك التعليم.
وفي قاعة (لجنة التصحيح) يُدار شريط التندُّر والشماتة «أحسن تستاهل» تقال عن طالبة لم تتمكن من الإجابة بشكل صحيح على الأسئلة وقد كانت مستهترة أثناء العام الدراسيّ «خلّيهم يحصدون نتيجة استهتارهم وكسلهم» قيلت في شأن شلّة طالبات لا همّ لهنّ سوى الضحك واختلاق النكت.
الطالبة تقصِّر، تتهاون، تستهتر، تسوِّف.. والمعلمة تجهل طرق تقويمها وإرجاعها لجادَّة الصواب؛ فتسلك أيسر الطرق لتطفئ نار غيظها من الطالبة فتهدِّد بأسئلة قاصمة للظهر ليصبح الامتحان همّاً يقضّ المضاجع، ويمنع الأفواه من تناول أي طعام أو شراب، بجانب أنه بحدّ ذاته همّ منذ وعيناه وأدركناه.
فمتى تكون العملية التعليمية وسيلة لرفع المعنويّات، وتعزيز الثقة بالنفس، وتحبيب الطالبات في المناهج الدراسية والدرس، وترغيبهنّ في المعلمة الموكَّلة بتدريسهنَّ وقبولهنّ لها؟!. متى تكون العملية التعليمية أختاً صغرى تتقبل الدرس من أختها الكبرى، كما تتقبَّل النصح والتوجيه بسعة صدر، أو إن أردتم تتقبّله ابنة من والدتها، لا ترى هذه الابنة إلا رافعة لقدرها ومُعلية من شأنها ومستجيبة لتوجيهاتها.. متى متى؟!.