عبدالوهاب الفايز
هل عالمنا في خطر..
وهل سياسات الدول والعلاقات بين الشعوب أصبحت بأيدٍ لا تعرف تقدير المصالح العليا. هذا ينسحب سويا على العالم المتقدم وأيضا دول العالم الثالث ممن تمضي في مشروع البناء الاقتصادي والسياسي المتطلع للديمقراطية.
السؤال هنا: هل هناك رجال دولة قادرون على استيعاب وإدراك تبعات التحول العالمي والمحلي برؤية شاملة، ولديهم القدرة على خدمة وحماية مصالح دولهم العليا بعيدا عن التجاذبات السياسية وإغرات المصالح الخاصة.
منذ دخول الرئيس ترمب البيت الأبيض لم يقف الحديث عن الهفوات السياسية للرئيس، وعاد الحديث إلى مسألة القيادة السياسية، ودور رجال الدولة ورموز مؤسسات الحكم بالذات في الدول الديمقراطية.
منذ حملة الانتخابات كانت التقديرات حذرة حول الكفاءة القيادية السياسية لترمب، فقد كانت الانتخابات حافلة بكل ما يوحي ان ترمب رجل مرحلة ولن يكون رجل دولة، فالتصريحات والإيحاءات المسيئة والفاضحة.. أو التي لا تحمل الحقيقة، جعلت من حملة ترمب النقطة الساخنة في المشهد الأمريكي، وقيل وقتها إن الحملة دشنت بقوة للمشهد السياسي العالمي ما يعرف الآن بـ(الشعبوية السياسية المعاصرة) التي وجدت وسائل التواصل الاجتماعي مسرحها المفتوح، بالذات، بعد تزايد إقبال الرئيس ترمب على التواصل عبر التويتر، وهذا جعل محترفي السياسة والدبلوماسية، يقولون ، كما نقول: الأيام حبلى بكل عجيبة!
آخر التصريحات التي اضافت دراما جديدة على المشهد السياسي العالمي، وليس الامريكي، هو الحديث عن المهاجرين من افريقيا والكاريبي والذي تضمن وصفا مسيئاً للكرامة الانسانية، وهذا دفع رئيس التجمع السياسي للسود في الكونجرس للدعوة إلى قرار يفرض الرقابة على كل ما يقوله الرئيس، وإذا مر هذا القرار سيكون اول عقوبة علنية لفخامته.
صعود ترمب إلى المشهد السياسي الأمريكي تزامن مع صعود قوي للأحزاب اليمنية المتطرفة في أوروبا، وهذه حققت نجاحات في الانتخابات في عدة دول، وكان أشهرها اليمين الفرنسي الذي كان قريبا من الرئاسة، والأحزاب التي لم تصل للسلطه لم تيأس فهي تستجمع قواها مستعينة بإثارة المخاوف ضد المهاجرين والأجانب لتقدمهم كأحد مسببات مشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد تلقت الجاليات المسلمة الضربة الاولى، وعزز ذلك الاعمال الإرهابية المجنونة التي أرعبت الأوربيين.
مع البروز القوي لظاهرة الشعبوية السياسية قبل عامين، في أوروبا وأمريكا، خرج العديد من المؤرخين وعلماء السياسة الأوربيين والامريكان لكي يحذروا من خطورة التعبئة السياسية المتطرفة التي تنمو، ووجد فيها السياسيون الشباب الفرصة لتسلق المشهد السياسي، ويساعدهم في ذلك دخول الطبقات الشعبية إلى العملية السياسة حيث اصبح قطاع عريض من الناس، عبر بوابات الإعلام الجديد، يتلقى الرسالة بدون المرشحات التقليدية التي كانت توفر الفاصل الزمني قبل وصولها إلى عامة الناس، وهنا كانت فرصة دخول (رجال المرحلة) إلى مجال التأثير السياسي على الناس.
المخيف هو في اختلاط رجال المرحلة مع العامة، فهذا يتيح التلاعب بالوجدان الشعبي ويحول القضايا المعقدة التي هي مجال النخب إلى حدث الناس اليومي!
السؤال المقلق: هل دخول (رجال المرحلة)، وبدء خروج او تغييب (رجال الدولة) من العمل السياسي والتشريعي والبرلماني والإعلامي له تأثيراته السلبية والإيجابية؟
إذا نحن نقول لكل عصر دولة ورجال، فهذا نراه في الحقبة التي جاءت بالسيد ترمب، وربما هي حقبة جديدة في الدول الغربية جميعا، وربما يكون لهذا التحول ايجابياته.. فترمب جاء ليقلب الطاولة على واشنطن وبالتالي تغيير تركيبة الهياكل الاجتماعية والسياسية التي سادت في حقب ماضية. وعموما لا يمكن الجزم، فنحن في حقبة من سماتها ان الذين يعرفون هم الصامتون، والمشهد مفتوح لمن يتحدث بما لا يعرف.. (يهرف بما لا يعرف!)، وهذا عرف موروث في السياسة ويبدو أنه سيكون السائد في حقبة رجال المرحلة!
لقد كان السؤال: من نحتاج رجال الدولة أم رجال المرحلة؟. نحن في حقبة سوف يكثر فيها الكفاح السياسيّ والاقتصادي، ويبرز فيها الصّراع الفكريّ واختلاف وجهات النّظر في الحياة واختلاف الذهنيات والمعالجات الفكرية المنهجية، وحقبة تشهد ثورة صناعية رابعة سوف تأخذ البشرية إلى زمن جديد، هذا الزمن نرجو ونتضرع لان يستدعي دور رجال الدولة لقيادة تحولاته.. بالذات إدارة التغيير وعدم اليقين والقلق، وهؤلاء سوف يوجدون البيئة التي يتشكل فيها جيل جديد من رجال الدولة.
اذا أصبحت الأمور تدار بالحكمة وسعة الرؤية والبصيرة لن يكون عالمنا مخيفا، دعونا نتفاءل!