ناصر الصِرامي
يقول مؤلف كتاب نهاية التلفزيون جان لويس ميسيكا، الذي يدرس منذ عام 1984 علم اجتماع الإعلام في معهد العلوم السياسية في باريس: «قد غدا المستهلك «البدوي» متنقلا بين مختلف الأقنية والوسائط الإعلامية، يضع هو البرنامج الذي يريده ويلبي رغباته الشخصية. فيما التلفزيون يعاني عدم استقلاليته الاقتصادية بخضوعه أكثر فأكثر لسوق الإعلانات التجارية التي تتحول نحو الانترنت بما يزعزع وجود التلفاز».
نعم الحديث الآن عن نهاية التلفزيون ،وليس الصحف الورقية فقط..!
انه عصر أصبحت فيه كل أشكال الإعلام تقريباً رقمية، لم نعد نذهب لوسائل الإعلام، بل على وسائل الاعلام اليوم ان تاتي الينا متوسلة، وتأتي بأكثر اغراء وجذبا، قبل أن نقرر إلى أي محتوى نذهب ، ثم نتفاعل.. وقد ندفع مقابل ما يستحق من محتوى!
الإعلام الجامد المكتفي نرجسيته سيكون من الصعب عليه الاستمرار في جذب المستخدمين/ المتصفحين/ المتابعين والمشاهدين .فالعروض المتوفرة و الرقمية للبرامج التلفزيونية في اي وقت نريد ونختار هو الشكل الجديد، وهو التهديد الحقيقي للتلفزيون التقليدي او حتى الرسمي.
ويقول دوك سيرلز، من مركز بيركمان للإنترنت والمجتمع في جامعة هارفرد: «أنا واثق أننا في غضون خمس سنوات من الآن مقبلون على نهاية التلفزيون، كما نعرفه الآن». ولقد بدأت كبرى الاستوديوهات السينمائية وشركات الإنتاج بالفعل في تحميل أحدث أفلامها على شبكة الإنترنت. كما اصبح انتاج موقع مثل نتفليكس خاصا وحصريا بمشتركيه.
يقضي مشاهدو أكبر مكتبة كونية للفيديو والأشهر على الاطلاق -يوتيوب- أكثر من مليار ساعة يوميا في مشاهدة مقاطع الفيديو المنشورة على الموقع.
ومن عام 2012 زاد عدد ساعات المشاهدة بمعدل عشر مرات، وهناك 400 ساعة فيديو تحمل على الموقع كل دقيقة، أي ما يعادل 65 عاما من الفيديو كل يوم..!
وبحسب موقع «إنترنت لايف ستاتس»، تتمّ كل ثانية مشاهدة حوالي 1200 فيديو على يوتيوب، أي أن الأعمال المعروضة على المنصة تشاهد آلاف المليارات من المرات في السنة.
وكانت شركتا فيسبوك و»نتفليكس» قد أعلنتا في يناير عام 2016 عن بلوغ عدد ساعات المشاهدة 100 مليون ساعة و116 مليون ساعة على التوالي على منصتيهما يوميا.
التهديد والتحول ليس للوسائل فقط ، بل يشمل ذلك المهنيين والصحفيين والاعلاميين، فقد اصبح كل واحد منا كمتابعين او مشاهدين صناعا للصورة والصوت بالوسائل التكنولوجية الجديدة التي تتوفر في احيان كثيرة مجانا، ومن ثم بثها للعالم. أصبح كل شخص منتجا و مصدرا ممكنا ومحتملا للأخبار والترفيه.
يقول جان لويس «إن القول بمعطيات أخرى منافية لهذا كله، لا يلغي اطلاقاً حقيقة التوجهات التي تعطي منذ اليوم أعراض اندثار التلفزيون»
صناعة الإعلام والصحافة بكل وسائلها وابوابها وأشكالها التقليدية تواجه اعصارا تقنيا هائجا وضخما، ولا يمكن لها ان تقاومه أبداً، وليس امامها خيار غير احتضان هذا الاعصار والأخذ منه والسير في الاتجاه الرقمي المبهر..!