أ.د.عثمان بن صالح العامر
أن تتلقى دعوة من وزارة أو جامعة أو إدارة حكومية أو مؤسسة خاصة أو جمعية أو منتدى أو نادٍ أو ملتقى أو … لحضور مناسبة عامة، أو زيارة جناح، أو إلقاء محاضرة أو... أمر طبيعي ومألوف، ولكن الشيء الاستثنائي -في نظري - أن يبعث لك مدير المباحث العامة ممثل أمن الدولة في المنطقة دعوة شخصية لزيارة جناح «أمن الدولة» في رالي حائل.
نعم هذا شيء جديد -بالنسبة لي على الأقل- ولذا فقد بادرت فور وصول رسالة سعادة العميد إلى الشخوص للجناح في موقع الفعاليات المصاحبة للرالي تقديراً لشخصه، وتلبية لدعوته، وحرصاً على معرفة ما عساه أن يكون معروضاً للجمهور الذي لم يعتد أن تشارك مثل هذه الجهة بفعاليات مفتوحة للجميع.
دخلت الجناح وإذا بأحد منسوبي «أمن الدولة» وحوله مجموعة من الزوار الشباب يشرح لهم باستفاضة وتوسع أمام اللوحة الرابعة تقريباً من اللوحات التي وضعت بشكل تتابعي لتبين وتشرح تاريخ الإرهاب في المملكة العربية السعودية بالسنوات والأحداث، بالأرقام والعمليات، مع بيان واضح للأحزاب والجماعات المتطرفة ذات التوجهات الخطرة التي تشرعن الإرهاب الدموي في المنطقة، وتبذل جهدها لزعزعة استقرارنا الداخلي ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وكذا الأشخاص الذين ينظّرون ويؤصّلون لكل ما من شأنه الخروج على الحكام وولاة الأمر، واستباحة ما حرّم الله عز وجل، وبث الفرقة والاختلاف بين الناس، وزعزعة الأمن والأمان في بلاد السلام والإسلام المملكة العربية السعودية، مع التفريق الجيد والمتميز بين طبيعة المراحل التاريخية والتنظيمية للإرهاب الذي سِمَته الأساس وطبيعته محل الاتفاق لدى هؤلاء جميعاً وفِي كل الأطوار تكفير المجتمعات فضلاً عن الأشخاص، «تكفير المعين»، حتى وصل بهم الحال إلى تكفير الأبوين وذوي الأرحام، والنتيجة لهذا الانحراف العقدي الخطير -التي سمعنا عنها جميعاً ورأيناها بأم أعيننا- أن يقتل الولد أمه وأباه وأخته وأخاه والعياذ بالله.
لقد وفق المتحدث حين الشرح وعند الإجابة على أسئلة الجمهور بشكل كبير، فهو يملك زمام الحرف باقتدار، ويجيد فن اللقاء بحذق، ويمتلك في نظري ثراء معرفياً متميزاً عن الجماعات التي تطلق على نفسها (دينية!!)، ويعرف بدقة متناهية الأدوار التي قام بها كل منظر للإرهاب داخل المملكة وخارجها، سواء إبان ما يعرف بسنوات «تنظيم القاعدة» أو في مرحلة «تنظيم داعش»، كما أن عنده قدرة متميزة على تبسيط المعلومة وصياغتها بلغة سهلة للجمهور المختلفِ المدارك المتباينِ الأفهام، وهذا ما يحتاجه المتلقي حين الحديث عن هذا الفكر الدموي الخطير.
لقد تابع الكل الأخبار وعرف الأحداث وكان في نظري حتى هذه اللحظة بحاجة ماسة للربط بين الحدث الإرهابي وخلفياته الماضوية وتداعياته المستقبلية، فضلاً عن أن لديه الرغبة الذاتية لمعرفة المنظرين الحقيقيين لهذا الفكر الخبيث والداعمين الفعليين مادياً ومعنوياً للعملية الإرهابية الإجرامية البشعة، وكذا المنافحين عن التطرّف الديني والمباركين لأفعاله المصفقين لخطواته التي أريد منها إهلاك الحرث والنسل في بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية، وهذا الجهد التوعوي الذي يقوم به أمن الدولة هو ما يلبي هذه الحاجة لدى الجمهور، ويؤدي دوراً رئيساً في إيصال حقيقة هذا الفكر الخطر، وبيان خيوطه التي لا تعدو أن تكون كبيت العنكبوت أمام جحافل جنود وطننا البواسل، ولذا فإنني أتطلع مثل غيري لأن يكون لهذه الجهة على وجه الخصوص-مشكورة- مشاركتها التوعوية الدائمة في أي تجمع مجتمعي خاصة الشبابي منه، وتكثيف للزيارات الميدانية لمدارس التعليم العام والجامعات، فهؤلاء العسكريون حماة الوطن وحراسه بعد الله، هم الذين عايشوا الأحداث والتقوا الإرهابيين وخبروا أفعالهم وسمعوا منهم أقوالهم، ولذا فهم خير من يوصل الرسالة التوعوية لشرائح عريضة في المجتمع. ولمن هو في حائل أكاديميين وخطباء ومثقفين وكتاباً وجمهوراً، فإن الشخوص لجناح أمن الدولة فرصة ثمينة ستجعلك تعرف حقيقة الفكر الإرهابي، ليس بالكلام المرسل فحسب، وإنما بالأرقام الدقيقة والاعترافات الموثقة والدراسات المعمقة والمشاهد المرئية والخطابات والكتابات، كما أنك في ذات الوقت ستقف بنفسك على جهود بلادنا المباركة في مواجهة الإرهاب المحلي والدولي بجميع صوره وكل أشكاله، المتميزة عالمياً ونوعياً التي يقودها بكل حنكة وحذق وفطنة واقتدار سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسيدي ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز؛ ودمت عزيزاً يا وطني.. وإلى لقاء والسلام.