لبنى الخميس
قبل أيام طُويت صفحة عام كامل بأحداثه.. وأحلامه.. وتجاربه.. وفتح فصل جديد بفرصه.. وأهدافه.. لماذا كل هذا الاحتفال؟ أهو التفاؤل ببوارق أمل جديد.. ووعود جديدة؟ أم لذة إلقاء التحية الأخيرة على عام مضى بخيباته وخسائره.. حارقاً خلفه كل مراكب العودة إلى شهوره.. أيامه.. وساعاته.. ما يجعل البعض منا مدركًا وعازمًا.. لن أكرر الأخطاء نفسها.. لن أضيع المزيد من الوقت.. ولن أستهلك ما تبقى من تفكيري وصحتي! في العام الجديد سأخفض من نسبة أخطائي.. وأعلي من شأن كل ما منحتني إياه من دروس وعبر.. سأقرأ كتباً جديدة.. وأسافر لمدن بعيدة.. سأكسر حواجز التردد والخوف.. وأحلق في فضاء الاكتشاف والتجارب.. وغيرها من الأحلام التي تتصاعد وتيرتها ونحن نقلب الصفحات الأخيرة للعام.
لكن ماذا الذي يجعلنا نحتفي بالبدايات الجديدة.. ونتعلق بالصفحات البيضاء؟ ونقدم وعوداً وأهدافاً سنحققها مطلع العام أو الشهر أو الأسبوع؟ إحدى الأسباب هي أن البدايات خالية من سلطة الانطباعات المسبقة.. وثقل الصفات التي وصمت بها العام الماضي.. أنت كسهول ومتراخٍ.. إنت خوافة ومترددة.. وأنتم كفريق لن تنجحوا في إتمام هذا المشروع.. في العام الجديد أنت تملك فرصة جديدة أن تخوض السباق من مطلعه بروح وثابة واستعداد مختلف.. فأيامنا قد تتشابه ونحن في زحمة شهورها.. ولكن البدايات دائمًا لها طعم مختلف.. لكن لا يمكنك أن تشق طريقاً جديداً دون أن تلتفت إلى ما قطعته من أشواط.. فكثير من أحلامنا القادمة مرتبطة بما سبقها من أحداث.. بمجد بنيناه ونريد المحافظة عليه.. أو عادة اكتسبناها ونريد التخلص منها.. بشعور لذيذ عشناه ونطمع لتذوق المزيد منه.. أو شغف وجدناه بعد رحلة بحث طوية..
لكن ما الذي يطمح له الناس في العام الجديد.. في إحصائية حديثة سأل الشعب الأمريكي عما يطمح لتحقيقه في العام 2018 تقاطعت الأحلام في 10 أهداف تصدرها إدخار المال وإنقاص الوزن، وشراء منزل.. كما ضمت القائمة الإقلاع عن التدخين، قراءة المزيد من الكتب، وإيجاد الحب. وبالرغم من منطقية الأحلام ومشروعيتها، إذ لم تضم الفوز بجائزة الأوسكار، أو الانضمام لقائمة أثرياء العالم.. أو تأليف الكتاب الأكثر مبيعاً لعام 2018.. 8% فقط ينجحون في تحقيق أهدافهم مع نهاية العام، بل و80% منهم يستسلمون في الأسبوع الثاني من فبراير.
لكن قبل أن نذكر كيف لك أن تحقق أهدافك وسط هذا التخاذل المبكر.. دعونا نتحدث عن المغزى خلف كتابة هذه القوائم؟ بالنظر إلى الأهداف الأكثر شعبية مثل شراء منزل وقضاء وقت أطول مع العائلة وإيجاد الشريك المناسب.. نحن نبحث عن السعادة وننشد الاستقرار.. نطمع بسنوات أكثر سلاماً.. وشهور أكثر دفئاً وحميمية.. قلة من الناس تبحث عن التجارب الجديدة والمغامرات الفريدة.. أن تتسلق جبال الإنديز.. وتتحدى خوفها بإلقاء خطاب أمام 500 شخص، أو تتطوع لبناء مدرسة في إحدى ضواحي نيبال، أو تكمل قراءة 30 كتاباً في 30 مجالاً مختلفاً من أدب الرحلات إلى علوم الفضاء إلى تصميم السيارات، فتمر السنوات رافعة شعار لا شيء جديد.. لا تجربة استثنائية.. بل أهداف تقليدية ترسم المزيد من الدوائر الآمنة حولنا..
إذن كيف ننجح في المحافظة على أهداف العام الجديد؟
بداية لا تخطط للسنة الجديدة بمنأى عن احتياجاتك وبالتحديد «نقاط ضعفك» العام الماضي.. إذا لاحظت احتياجك الملح لتطوير لغتك الإنجليزية، أو تحسين مهارة التحدث الجماهيري، أو عجزك عن إدارة وقتك واستمثار تركيزك بما يعود عليك بمكاسب مرضية ومستمرة.. أحمل هذي الأجندة معك في العام الجديد.. ضعها أمام عينك.. واخلق لها الظروف المناسبة لتحقيقها ثم اسأل نفسك ما الذي كان يقيدك العام الماضي؟ فكرة كنت حبيساً لها؟ علاقة استنزفت كل عواطفك وتفكيرك.. وظيفة سرقت أغلى لحظات عمرك؟ وما هي خطة خلاصك هذا العام.. فلا يمكنك أن تنطلق باتجاه المستقبل دون تنظيم فوضى الماضي.. وتذكر: تتغير الأرقام وتمر الأعوام لكن أحد أثمن مفاتيح النجاح هو فهمك لنفسك وإدراكك العميق لاحتياجاتها.
ثانياً طبق قاعدة «تيمتيشن بوندلينغ» التي تحدث عنها كاثرين ميلكمان أستاذ مساعد في كلية وارتون للأعمال.. وهو ربط أهدافك التي ممكن أن تكون صعبة.. مملة.. أو عصية على التنفيذ مع هوايات محببة.. ولحظات لذيذة تقضيها بالقيام بشيء تحبه.. مثل ممارسة الرياضة وأنت تتابع بودكساتك المفضل.. أو الرد على إيميلاتك المتراكمة وأنت تسوين أظافرك.. أو إنجاز مكالمة صعبة وأنت تحتسي مشروبك المفضل.. والشيء نفسه ينطبق على الأهداف الكبرى وربطها بهوايات لطيفة ولحظات سعيدة تصنع يومك بالرغم من بساطتها!
أخيراً.. من المهم أن تتذكر أن السنوات هي مجرد تحديث في تاريخ رباعي الأرقام.. فما يمنح سنواتنا وأعمارنا مجدها هو وعينا تجاه الفرص التي تتجدد مع أيامها وتتدفق مع شهورها لنكون أشخاصاً أفضل. فالأرقام لا تصنعنا بل نحن من يصنعها ويبث في عروقها الحياة.