عبد الرحمن بن محمد السدحان
* حدّثني صديق عاصر بداياتِ العملية التربوية فـي مملكتنا الغالية منذ أكثر من أربعة عقود، فذكر أن معلّمي اللغة العربية بوجه خاص، سعوديّين ووافدين، كانوا يُؤلوُن اهتماماً خاصاً لتعليم النشْءِ قواعدَ اللغة العربية، نحْواً وإملاءاً، وأنّ جزْءاً من هذا الاهتمام، وهو تنمية مهارة الخط، قد تَوارى اليوم وراءَ عين الشمس!
* * *
* ونتيجة لما تقدم، فقد تجسَّد حصَادُ هذا التراجع المريع بالنسبة لتنمية مهارة الخط فيما نقرأه أو نشاهده اليوم من نصوص خطية لأفراد عديدين من جلينا الحاضر، ذكوُراً وإناثاً، ثم سألني الصديق كيف السبيل للتخلص أو تقليص هذه الظاهرة إلى حدَّها الأدنى ؟!
* * *
* قُلتُ لـمحدّثي : لقد شهدتُ مثلُك هذه الظاهرةَ فـي فتْرتيْها، بين اهتمام لافت بتعليم قواعد النحو والخط، تلاه تراجعٌ مريع، وخاصةً بالنسبة للخط فيما بعد، واستشهد على ما ذُكِر بما يلي :
* * *
* كان (الخط) مادةً إلزاميةً ضمن (الوجبة) التربوية المقرّرة سنوياً، تعليماً وممارسةً وقياساً، وكان هناك تقييمٌ منتظمٌ للمهارات المكتسبة في هذا المجال، انتهاءً باختبار آخر العام.
* * *
* كان التلميذُ منّا (يُعاقب) أحياناً إذا اقترف خطأً ما بأن يكتب له مدرّسُه سطراً بخط جميل يحمل نصَّاً معيّناً، ثم يُكلَّفُ بتكرار كتابة ذلك السطر عَدداً من المرات.. قد تصل إلى الخمسين أو الستين سطراً وربما أكثر.
* إن ممارسة كهذه لها أكثر من إيجابية :
* فهي تجربة تربوية تهدف إلى تطوير مهارة الخط لدى التلميذ، وإكسابه قدرةً أفضل على التعبير بخط مفهوم عما يَرومُ بيانَه.
* * *
* وهي عقوبة تَتّكئُ إلى فضيلة (الردع) تجنُّباً للسلوك الذي رتّب المخَالفةَ أصلاً.
* ثم يأتي بعد هذا وذاك دورُ الإشادة بإنجاز التلميذ أمام زملائه، فيَعتبرُ به من يعتبر قُدوةً ومَثَلاً صالحاً. كما يترتب على هذا المسلك التربوي مردودٌ مزدوج تحفيزاً للمحسن، وتنبيهاً لسواه، كيْ يقتديَ بمَنْ هو أحسن منه حظاً!
* * *
* الآن يعاني كثيرون من أفراد هذا الجيل من سوء الخط، وأحسب أن ذلك قد يؤثِّر سلباً على فعالية التواصل كتابةً مع الآخرين، وربَّ قَائلٍ يقُول : لم يعد التواصل بخط اليد مطلباً، فقد طرح (الجوال) أكثر من حل، فهناك الرسالة المقروءة والمسموعة، وكلاهما تجزيان عن الخط لمَنْ كان خطُّه رديئاً.
* * *
* لكن ما قولكم فـي طبيب رديء الخط يكتب وصفةَ دواءٍ لمريضٍ بصيغة تفتقر إلى أكثر من (مترجم)، ثم أعجَبُ أكثر من قدرة الصيدلي على «قراءة» مثل تلك الوصفة، ثم (يفلح) فـي التعرّف على اسم الدواء وآلية العلاج!
* * *
* ولماذا أذهب بعيداً مستشهداً ببعض الأطباء، هناك مسئولون (يشْرحُون) المعاملاتِ بخطوط تشبه خُطَى طيرٍ على رمل!
* * *
وبعد..
* أُقر في الختام أن الحاجة للكتابة باليد ربما تراجعت كثيراً أمام بدائل التقنية الحديثة، بدْءاً بالجوال مِثَالاً، وانتهاءً بالطباعة الإلكترونية، بأنماطها وفنونها.
* لكنني رغم ذلك، اعتز بـ(كلاسيكية) الخطّ باليد حين يكون له من الجمال نصيب، ناهيك أن يكون مقْرُوءاً، ولي رجاءٌ أخير أسوقُهُ مع كل التقدير للأطباء الكرام، ذكُوراً وإناثاً، الذين لا يسعفهم الخطُّ عند كتابة وصْفاتهم العلاجية، أن يلجئوا إلى طباعتها، فذاك أهْونُ أداءاً، ودرءًٌ وقائيُّ لنتائج كتابة الوصفة بخَطٍ رديء قد تَتَرتبُ عليها أخطاءٌ لا تُحْمَد!