فهد بن جليد
في مرحلة الدراسة المتوسطة والثانوية كُنَّا نستغرب مع كل مشروع جديد نزوره لأول مرة، من تلك اللوحات التي تشير إلى تخصيص بعض الخدمات والمداخل والمقاعد للنساء في الملاعب والمسارح والمنشآت الجديدة - تبعاً لثقافتنا السائدة في تلك المرحلة - أنا شخصياً كنتُ أضحك وأعتقد أنَّ المقاول ومن استلم المشروع يحلمان، ويحبان الخسائر وهدر المال، بحكم أنَّ دخول وحضور المرأة لهذه الأماكن والمواقع ممنوع قطعياً ومن ضروب الخيال وسابع المُستحيلات، اليوم لم أعرف فقط أنَّنا مثل بقية المُجتمعات من الطبيعي أنَّ تحتضن تلك المباني والمُنشآت في بلادنا الرجال والنساء معاً بالضوابط الدينية والثقافية, بل تأكدت أنَّنا نعيش بالفعل عصر تتحقق فيه المُعجزات بتصحيح كل المفاهيم الخاطئة التي تشكل ثقافات خاطئة.
ليلة البارحة انتهى المشهد الثاني في تجربة دخول العائلات إلى الملاعب السعودية وحضور مباريات كرة القدم، وفي كل مرة علينا قبل الاحتفاء المُستحق بهذه الخطوة التاريخية والتصفيق لها، أن نكون جاهزين لتعديل آلياتها وتطوير إجراءتها لناحية جودة التنظيم والانضباط وسلامة الجميع، فالتجربة جديدة علينا في المجتمع كما هي جديدة على المنظمين وهيئة الرياضة، وهو ما يتطلب الاستعداد لتقبل النقد والآراء والأفكار والمُقترحات وبحث مدى إمكانية تطبيقها، لتهيئة الأجواء المناسبة والخاصة للعائلات للاستمتاع بالمشاهدة والمُتابعة والتشجيع.
هنا أقترح على هيئة الرياضة أن تعمل مُنذ البداية للتعرف على آراء ومُقترحات وأفكار العائلات التي تحضر المباريات، وتقيس رضا الحضور وتستمع لصوت وملاحظات العائلات في المدرجات حول إجراءات الدخول والتذاكر، والأجواء والمقاعد، والمواقع، والخدمات، فالفرق في التأسيس الصحيح لهذه الخطوة التاريخية وزيادة حضور العائلات مع كل مباراة، يكمن في البدايات الصحيحة التي تقل فيها الأخطاء تدريجياً في كل مرة، وهو ما يعني عدم الركون فقط لتجارب المُجتمعات الأخرى، وآراء المُحللين والمُراقبين والصحفيين، دون سماع صوت وملاحظات أصحاب الشأن والضيوف الجدد في مدرجاتنا، فنجاح هيئة الرياضة في استقبال العائلات بتهيئة كل الظروف وتجنيد الطاقات البشرية النسائية العاملة والمُدربة للتعامل مع الحدث بكل احترافية ومهنية، كان واضحاً مُنذ مبارة الأهلي والباطن التي شهدت أول حضور عائلي في المدرجات بلغ أكثر من ألف سيدة، واستمر في لقاء البارحة بين الهلال والاتحاد، ونحن على يقين بأنَّ الهيئة لن تدخر سبيلاً لإنجاح الخطوة واستمرارها، والحرص على مُعالجة أي قصور بشكل سريع ومُباشر، يتناسب مع الاهتمام المحلي والعالمي بالخطوة.
فوضى المُدرجات أزمة عالمية تشعلها الجماهير في كل الملاعب, ولكنها تختلف بطبيعة وثقافة كل مُجتمع، وهي الخطوة اللاحقة التي يجب الانتباه والاستعداد لها مبكراً، ولو على طريقة موقفنا أعلاه من لوحات النساء عندما كُنَّا صغاراً.
وعلى دروب الخير نلتقي.