د.عبدالعزيز العمر
(القاتل) هنا هو مدارسنا بصورتها الحالية التقليدية النمطية المعروفة. أما المقتول المغدور به فهو الإبداع الذي فشلت المدرسة في توفير فرص تعلمه لطلابنا. الإبداع هو نوع متقدم من التعلم، يتجاوز عنده مستوى تفكير الطالب كل ما هو مألوف وكل ما هو معتاد ونمطي في واقعه الحياتي. ويمكننا أن نتصور الإبداع في مرحلة الطفولة كما لو كان شعلة صغيرة من اللهب، من السهل إطفاؤها إلا إذا تم حمايتها من الريح، وتم صب وقود عليها. ومن حسن طالعنا نحن التربويين أن كل طفل في هذا العالم يولد وتولد معه غريزة الفضول والإبداع، وهي لحسن الحظ غريزة قابلة للتعلم والنمو، إلا أنه من سوء الحظ أن تكون مدارسنا بواقعها الحالي عاجزة عن تنمية الإبداع لدى طلابها، بل هي بارعة في فن قتل الإبداع. أرجو ألا يتصور أحد أن في حديثي هذا أي نوع من المبالغة أو التهويل. من المؤكد أن مدارسنا ستبقى عاجزة عن تنمية الإبداع لدى طلابها ما لم يمنح تعليمنا المدارس هامشًا كافيًا من الحرية التعليمية، يخلصها من قبضة سلطة البيروقراطية الخانقة، ومن تحكم المركزية المفرطة التي تفضل أن تعامل المدارس والطلاب كأسنان المشط. لن نرى الإبداع في مدارسنا ما لم نطور لوائحنا التنظيمية المدرسية الحالية المكبلة للمدرسة، وما لم تمنح المدرسة طلابها هامشًا كافيًا من الحرية، يحترم إنسانيتهم وعقولهم، ويمنحهم المساحة الكافية ليعبروا عن آرائهم ومشاعرهم دون تردد أو خوف من قمع أو إسكات أو إهانة. وعندما يتحقق مثل ذلك المناخ المدرسي الصحي يمكن حينها الحديث عندئذ عن تطوير (إعداد المعلم) المتمكن، وعن تطوير (المناهج) النوعية، وعن تعزيز (بيئة التعلم) كعوامل تدعم تنمية الإبداع الطلابي.