لا يخفى على القارئ لكتاب الله، والناظر في السنة الصحيحة النصوص الكثيرة الواردة في فضل العلم وأهله، وبيان عظم أثرهم على الناس، وذكر سوء أثر الناس عليهم، ولا غرو في هذا فهم أمنة العلم، ونبراس الأمة، ومحاربوا الجهل والأمية.
وإن المعلم في بلادنا المباركة ليحظى باهتمام كبير، وعناية فائقة من لدن قيادة هذا البلد المبارك اعترافاً بفضله، وإدراكاً لعظيم أثره في تربية النشء وإصلاح المجتمع، وهو أمرٌ غير مستغرب؛ فإنما يعرف الفضل لأهل الفضل أولي الفضل.
ولله در القائل:
وما عَبَّر الإنسان عن فضل نفسه
بمثل اعتقاد الفضل في كل فاضل
رفع الله قدر ولاة أمرنا، وأعلى شأنهم، وزادهم عزاً وتوفيقاً.
إلا أنَّ هناك ثلةً من أصحاب الأقلام وأهل الإعلام خالفوا هذا المنهج السديد والطريق الرشيد، وغابت عنهم هذه السياسة المباركة، والنظرة الثاقبة تجاه معلمي الناس الخير، ومربي الأجيال، فتطاولوا على المعلمين نقداً لاذعاً تصريحاً وتلميحاً حتى غدوا كلأً مباحاً لكل من هب ودب، فلم يسلموا من السخرية والاستهزاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعبارات يندى لها الجبين، ومقاطع تنم عن جور ومَين.
أوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمل
ما هكذا يا سعد تورد الإبل
فأي قدر يبقى للمعلم بعد هذا الإسفاف؟ وأي أثر يرجى بعد هذا الإجحاف؟ وأيُ مكانةٍ له تبقى في نفوس أولادنا؟
والله يقول: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ} فأين العدل والإنصاف في الحكم على المعلم؟
والله يقول: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} وأيُ تطفيف أعظم من التطفيف في الحكم على الأشخاص؟
ولكن الأمر كما قال ذاك:
وإنَّ أخسَّ النقص أن يتقي الفتى
قذى النقص عنه بانتقاص الأفاضل
فإنَّ في الناس من يروم الشهرة والظهور على حساب انتقاص الآخرين.
ولا ندعي العصمة من الخطأ في المعلمين ولا غيرهم حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس الشأنُ في رمي الناس بالتهم، والتعميم بالخطأ والقصور، وإنما الشأن لمن رام إصلاحاً أن يسلك مسلك المصلحين في بيان الخلل، ورفع الزلل.. فإنَّ الدين النصيحة، والنصيحة لها طرقها الشرعية، وآدابها المرعية، ولنا جميعاً الأسوة الحسنة في المعلم الأول صلى الله عليه وسلم في إصلاحه للخطأ، وتقويمه المعوج، بأساليب تنضح بالرفق، وتُسهم في بناء المجتمع، بعيدة كل البعد عن الإسفاف والاستخفاف، والتُهم الجزاف، الذي تهدم ولا تبني، وتفسد ولا تصلح، بل تفضي إلى الشقاق والخلاف.
وَمِمَّا يحسّن ذكره هنا ما امتاز به الخليفة العباسي هارون الرشيد من حُسن التصويب لخطأ الإمام الكسائي أحد القرّاء السبعة، وأئمة النحو، ومؤدب ابنيه الأمين والمأمون حين صلى بهم مرةً فقرأ آيةً خطأً، فلمَّا انصرف من صلاته سأله الرشيد:
قراءة مَن هذه؟ فقال الكسائي: ليست قراءةً ولكن الجواد يكبو، فقال الرشيد: أما هذه فنعم.
فإلى كل كاتب، وإلى كل مغرد اتقوا الله فيما تكتبون؛ فإنكم بين يدي الله موقوفون، وعما كتبتم مسؤولون، ولنعلم أن حقوق الخلق مبنية على المشاحة، وفيها يوم القيامة المقاصة، وعند الله تجتمع الخصوم.
والواجب علينا نحو معلمي فلذات أكبادنا التشجيع والتعزيز لمن أحسن منهم، وما أكثرهم!، والإغضاء عن زلاتهم وأخطائهم مع السعي لإصلاحها عبر القنوات المناسبة، فوزارة التعليم ترحب بكل نقد بناء يَصْب في مصلحة الصلاح والإصلاح، والتطوير والبناء.
وختاماً : أهمس في أذن كل متطاول على المعلمين والمعلمات بقول الشاعر:
أقلوا عليهم من اللَّوم لا أبا لأبيكم
أو سدوا المكان الذي سدوا
** **
المستشار الشرعي بجمعية الأطفال المعوقين - الرياض