يصاب الانسان أين كان جنسُه بأمراض قد لا تُعيقهُ ولا تقف حياته معها، ولكن ثمة أمراض تشكل خطراً على المصاب بها من الناحية النفسية والاجتماعية، وكذلك تقف حاجزاً في مستقبله الوظيفي، ومن أهم تلك الأمراض مرض البهاق الذي لم يحسن المجتمع التعامل معه ولا التفاعل كذلك، ولم تُعره وزارة الصحة الاهتمام المطلق ومعها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ووزارة التجارة ومجلس الضمان الصحي، ناهيك عن إمكانية تحقيق ثقافة المسؤولية الاجتماعية للكيانات الاقتصادية من خلاله، والحال هو مع المؤسسات الخيرية المانحة والموسرين من المواطنين، وغياب الجانب التطوعي الذي نرى أن على المصابين تحديداً دوراً في تصحيح النظرة وجلب الانتباه والعمل على تقليل أثره على المصاب به.
ولتقريب الصورة أكثر: فإن المعدل العالمي للمصابين بالبهاق بين 2% و3 % من جملة التعداد السكاني، أي أن عدد المصابين في المملكة يتجاوزون نصف مليون مواطن مصاب من الجنسين وبمختلف الأعمار، ومع هذا الرقم الكثير من المحتاجين الذين لا يملكون قوت اليوم والليلة فكيف بهم وهم يبحثون عن علاج لهذا المرض أو حتى كشف عند الطبيب في العيادات الخاصة بأمراض جلدية بالغة التكاليف، خاصة وأن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية قد أوقفت الإعانة الشهرية لهذا المرض والتي لا تتجاوز 800 ريال عن المصاب المحتاج ليتمكن من شراء كريمات توحيد اللون أو اتمام جلسات ليزر لإعادته أو الحد من انتشاره أو استشارة نفسية طالما أن وزارة الصحة لا تؤمن الدواء الأمثل لهذا المرض، فالتصنيع المحلي أثبت عدم جدواه وجودته بالرغم من محاولات عديدة تبذلها المستشفيات الجامعية لتركيب العلاج محلياً لتقليل كلفته ليمكن تأمينه بسعر مناسب، والكارثة الكبرى أن شركات التأمين لا تغطيه في بوليصة التأمين الطبي.
وفي ظل هذا التجاهل الكامل لهذا المرض وعدم الاهتمام به من المؤسسات الصحية العامة الحكومية فقد جاء دور مؤسسات المجتمع المدني وصدر ترخيص بالتأسيس لمؤسسة البهاق الخيرية (فأل) التي نالت مؤخراً جائزة الايزو العالمية في (تقديم الدعم الاجتماعي والنفسي للمصابين ونشر الوعي الصحي للمجتمع وتشجيع البحوث والدراسات الخاصة بالبهاق)، وينطلق من هذه الجمعية برامج رائدة بدعم من بعض الكيانات الاقتصادية في القطاع الخاص، وكذلك رعاية قليل من المؤسسات الخيرية المانحة وتركز الجمعية على ما يخص المرأة والطفل لأنهما الأكثر تأثراً بهذا المرض، فهناك جلسات استشارية اجتماعية ونفسية، وقد تم رصد العديد من حالات الفشل في الزواج او تفاقم العنوسة في المصابات وهذا له تأثير نفسي على المصابة وعلى أسرتها، وكذلك جلسات نفسية مع الأطفال لتأثرهم أمام زملائهم بما أصابهم وسخرية ربما أقرانهم بهم بسبب المرض وتأثيره على نفسية الاطفال، بالإضافة لإطلاق الجمعية برنامجاً نوعياً باسم (فرحتي)، وهو خاص للمقبلات على الزواج من أجل توحيد اللون بالكامل الذي يكلف قرابة 40 ألف ريال لكل مصابة، وشهد ذلك زواج أكثر من 100 مصابة بعد خضوعها لجلسات توحيد البشرة، كما تطلق الجمعية عدداً من برامج التوعية للمجتمع بالمرض وكيفية التعامل مع المصاب من خلال مجتمعه، والتأكيد أن المرض ليس معدياً، كي لا نتجنب المصاب.
وللجمعية إسهامات في المعارض والملتقيات من أجل إبراز صورة أفضل عن المصاب، وهذا مع وجود برنامج تطوعي مجتمعي بمسمى سفراء البهاق، علماً أن الجمعية تُدار وفق نظام مؤسسي دقيق وبدرجة حوكمة مثالية وتُسير برامجها بناءً على خطة إستراتيجية ومؤشرات أداء، وهذا ما سيمكنها من تحقيق أهدافها اذا وجدت الرعاية والمساندة والاهتمام.
ختاماً، الجمعية لن تستطيع تحقيق رسالتها وأهدافها دون مساندة القطاع الخاص، فهذا مجال من مجالات المسؤولية الاجتماعية، بالإضافة الى دعم المؤسسات الخيرية المانحة (مع وجود فتوى جواز دفع الزكاة للجمعية)، وننتظر مساهمة القطاع الصحي الخاص بمنحهم فرصاً علاجية مجانية وتخفيضاً لقيمة الكشف، وكذلك شركات الأدوية المحلية والعالمية وتفاعلها مع المحتاجين من المصابين بتخفيض قيمة الدواء أو مجانيته لأن الجمعية لا تستهدف إلا المصاب المحتاج، والتطلع إلى شمولية بوليصة التأمين الطبي مرض البهاق وتغطيته بالكامل، وعدم اعتباره مرضاً تجميلياً، وهناك العديد من حالات محاولة الانتحار بسبب الاصابة، وهو دور تجتمع فيه وزارة الصحة والتجارة ومجلس الضمان الصحي، والأمل الكبير في إعادة الإعانة المقررة لمرضى البهاق من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، فهي تمثل للمحتاج الأمل في مواجهة ارتفاع تكاليف علاجه التي لا يستطيع عليها ولا تستطيع الجمعية تأمينها للجميع، كما نتطلع لوقفة من القطاع الخاص وكذلك الحكومي في عدم رفض المتقدم للوظيفة بسبب البهاق خاصة في وظائف الاستقبال وخدمات العملاء، وهناك العديد من الحالات التي رصدتها الجمعية لمصابين تم الاعتذار لهم عن وظائف في الخطوط الأمامية للقطاع الخاص تحديداً.
** **
- عضو المجلس البلدي بالرياض