العمل التطوعي في جميع المجالات والجوانب ركيزةٌ مهمةٌ من ركائز بناء المجتمعات الحديثة، ومساعدٌ على التماسك الاجتماعي بين أفراد المجتمع، والعمل التطوعي سواء كان بالتبرع بالمال أو تبنّي المشاريع الخيرية والإنسانية أو ممارسة العمل التطوعي كسلوك إنساني بالجهد البدني أو الفكري أو النشر الإعلامي له قيمة كبيرة وأثر عظيم، ويبقى أننا في مجتمع يختلف عن بقية المجتمعات البشرية، حيث إن الدافع لدينا أكبر وأعمق، وهو ارتباط العمل التطوعي بالدين، والجزاء من رب العالمين، حيث حَفِلَ الدين الإسلامي الحنيف بأروع النماذج في العمل التطوعي عبر التاريخ، والذي تتجلى فيه الأهداف النبيلة والغايات الإنسانية، بناءً على ما حثنا عليه رب العالمين من التكافل، والتراحم، والأخوة، وصلة الرحم، والعطف على الأرملة والمسكين واليتيم, ومساعدة الضعيف وصاحب الحاجة، والإحسان للفقير والمعاق، ودفع الصدقة والزكاة، وبر الوالدين، والسعي لعمل الخير وخدمة الآخرين ومساعدتهم بالمال أو الجهد، مما ساهم في جعل العمل التطوعي ركيزة أساسية في بناء المجتمع الإسلامي بناءً مختلفاً متماسكاً متميزاً، فقد ورد الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تحث على عمل الخير وخدمة المجتمع بدون مقابل، فقد جَاءَ رَجُل إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَتَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِضًا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا، أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ «.
وهذا منهج نبوي وحافز للعمل الجاد المخلص في مجال التطوع وعمل الخير وخدمة المجتمع، فقد شاهدنا كيف كان التفاعل مع اليوم العالمي للتطوع، وسرنا التنافس في تقديم المبادرات،و تنظيم النشاطات التطوعية، وهذا دليل على ارتفاع ثقافة التطوع في مجتمعنا خصوصاً من قبل فئات الشباب, وهذا يتوافق مع ما كشفته دراسة حديثة عن نسبة المتطوعين من الذكور والإناث في السعودية, حيث وصلت نسبة المتطوعين من الجنسين تحت سن 18 سنة إلى 65 في المائة من إجمالي المتطوعين, فيما بلغت نسبة المتطوعين فوق 18 سنة 35 في المائة، كما أن ارتفاع أعداد المتطوعين وتزايد أعدادهم يعطي الانطباع بالخطوات المتسارعة لتحقيق رؤية السعودية 2030، حيث تسعى بلادنا من خلال رؤيتها إلى تطوير مجال العمل التطوعي، ورفع نسبة عدد المتطوعين لتصل إلى مليون متطوع قبل نهاية عام 2030. لذا لازالت الحاجة كبيرة في التوسع في العمل التطوعي وخدمة المجتمع من خلال رفع الوعي بأهميته، ونشر ثقافة التطوع بين أفراد المجتمع خصوصاً طلاب المدرس في المراحل الابتدائية والمتوسطة لغرس حبّ الخير والعطاء وخدمة الآخرين، مع عدم الاكتفاء بالأعمال التطوعية بالطرق التقليدية، بل يجب استحداث برامج ومبادرات وأفكار تتواكب مع المرحلة الحالية، وتناسب حاجة أفراد المجتمع بجميع فئاته, وتعتمد على دراسات وخطط من أجل قطع خطوات كبيرة في هذا المجال، فالأعمال التطوعية يقوم بها أشخاص نذروا أنفسهم وضحوا بوقتهم وجهدهم لمساعدة الآخرين برغبتهم واختيارهم بهدف خدمة المجتمع الذي يعيشون فيه، فمهما بذلوا من الجهد والعطاء يجدون في هذا العمل راحةً للنفس كبيرة وشعور بالاعتزاز ورضاء ذاتي وطمأنينة ضمير، كما أن من يعمل في مجال العمل التطوعي يطور من إمكانياته، ويختبر قدراته، وينمي مهاراته، ويكتسب خبرات، ويصنع لنفسه شخصية، ويبني علاقات واسعة مع أفراد المجتمع، ويتعرف على ظروف المجتمع وهموم الناس من خلال ممارسة العمل التطوعي ومساعدة الآخرين سواء في مواقف استجابة لظرف طارئ، أو لموقف إنساني، أو أخلاقي محدد، مثال ذلك: أن يبادر متطوع لإنقاذ غريق يشرف على الهلاك، أو إسعاف مصاب حالته خطره نتيجة حادث،أو من خلال فعل تطوعي لا يأتي استجابة لظرف طارئ بل يأتي نتيجة تفكير وتخطيط مسبق ورغبة ذاتية وقناعة داخلية بما يجب أن يقوم به من دور تجاه المجتمع من خلال تبني فكرة،أو مبادرة،أو يساهم مع مجموعة من المتطوعين، أو تحتمظلة رسمية يساهم من خلالها بخدمة أفراد المجتمع، كما أنه ورغم تزايد الاهتمام بالعمل التطوعي وارتفاع الوعي بأهميته وتضاعف أعداد الجمعيات الخيرية وتطورها واستحداث أساليب حديثة في إدارتها وفي مواردها والدعم الحكومي لها إلا أن هناك بعض العقبات التي تواجه النهوض بالعمل التطوعي إلى الدرجة التي تحقق مستويات أفضل من الانتشار والفائدة، وتحتاج للكثير من العمل والعطاء، وتضافر الجهود لنصل - بإذن الله - للرقم مليون متطوع في عام 2030 بعزيمة الشباب، وهمة العاملين المخلصين من أبناء الوطن.
** **
- مدير عام العلاقات والإعلام الجامعي بجامعة المجمعة