د. حمزة السالم
تكاثر ظهور الصناديق العقارية في السوق السعودية. وبسبب التلاعب في ألفاظ العقود بحجة «الأسلمة»،(كتسمية الدين بالمشاركة)، تاهت أفهام الناس في إدراك الفرق الجوهري بين هذه الصناديق. فبعض الصناديق العقارية هي مجرد جمع تمويلات أي أنها صناديق ديون عقارية لا كما يعتقد الناس أنها صناديق مشاركة في تملك العقار. وأما صناديق ملكية العقار نوعين: 1- بناء عقار جديد.
2- تصريف عقار قديم قائم.
فيجب أولا أن نفهم الفرق الجوهري بين الملكية والدين، ثم ندرك تبعيات هذا الفرق، ليتضح لنا سر الصناديق العقارية.
فأما الفرق الجوهري بين الملكية والدين -الذي يستحيل أن يختلف مهما كان اتفاق رجلين على التشارك بإنشاء مشروع- هو: المشاركة في نمو الأصل سلبا أو إيجابا. فقد يتشاركان في نمو الدخل دون نمو الأصل، فهذا تمويل أي دين، وليس بملكية.
بهذا الفرق غلب زعيق وجلجلة أسواق الأسهم، زعيق وجلجلة الأسواق المالية الأخرى. وهذا الفرق جعل الأسهم لا تشكل إلا نسبة ضئيلة من تمويل الشركات؟ فمثلا الأسهم تشكل 5 % من تمويلات الشركات في اليابان، و11 % من تمويلات المشاريع والشركات في أمريكا.
هذا الفرق هو الذي يشرح سر تجاوز قيمة السندات المتداولة يوميا، في السوق الأمريكية وحدها، مبلغ الألف مليار -أي تريليون- مقابل 150مليار قيمة تداول الأسهم .ويشرح لماذا تبلغ قيمة الإصدارات الجديدة سنويا في السوق الأمريكية من السندات، ما يقارب سبعة تريليونات دولار. وذلك مقابل إصدارات أسهم جديدة بقيمة 300 مليار فقط. وقد قاربت قيمة السندات في السوق الأمريكية مبلغ أربعين تريليون دولار، أي أكثر من نصف قيمة الإنتاج العالمي جميعا.
السر هو الربح اللامحدود للملكية التي تمثلها الأسهم. فهو من يجعل للأسهم غلبة الصوت، وانصراف اهتمام المتعاملين بالأسواق. والربح اللامحدود للملكية (أي الأسهم) كذلك، هو الذي جعلها نسبة صغيرة من حجم أسواق المال.
فصاحب المشروع الناجح أو الشركة الناجحة، متى تبين نجاحها وظهر، أو أدرك قوة فرص نجاح مشروعه، لا يريد مشاركة الغير في فرص ربحه اللامحدودة.
وهذه حقيقة إنسانية في تعاملها مع السوق. ولهذا كانت هذه الحقيقة من أسباب وضع القوانين التفضيلية للشركات العامة، لإجبار مُلاك الشركات على إشراك الناس معهم في نجاحاتهم عن طريق الطرح العام. ولهذا لا تطرح الشركات الناجحة من ملكياتها، إلا أقل الحد المطلوب الذي به تتحصل على مزايا هذه القوانين التفضيلية.
فالتمويلات سواء عن طريق السندات والبنوك، هي وسيلة المُلاك لمنع المدخرين، أصحاب الثروات النقدية، من مشاركتهم في ربحهم اللامحدود للملكية، وما بذل المدخرون عقولهم وجهودهم في فكرة المشروع، مثلهم (أي الملاك). فالمُلاك يُشركون أصحاب الثروات النقدية في ربح قليل محدود، لا يتعدى الفائدة، مقابل مخاطرة لا محدودة، قد تأتي على تمويلهم كله فتستنفده جميعه، في حالة خسران كامل المشروع، اللهم أنها لا تطال الممولون، حتى تستنفد المُلاك. وهذا عدل. فالإفلاس ناتج عن المُلاك لا عن الممولين.
فالصناديق العقارية التمويلية، لا تريد مشاركة أحد في الملكية، كصندوق جبل عمر، فملاكه يدركون فرصة وجودة قرب الحرم. وأما الصناديق العقارية التي تريد إنشاء مشاريع عقارية جديدة، فهم مقاولون وماليون يريدون إيجاد سوق لهم، لكيلا تموت صنعتهم، فلا يهتمون بمدى احتمالية نجاح المشروع، فقد يصبح ربحه عظيما أو قد يخسر (وأحيانا يدخل معهم ملاك أراضي يريدون تصريف أراضيهم بأسعار جيدة). وأما الصناديق العقارية التي تشارك المكتتبين بها، في عقارات قائمة وتدر دخلا، فهؤلاء لا يمكن تفسير عملهم منطقيا، إلا أنه تصريف لعقارات غلب ظن ملاكها أن قيمها ستنهار. فقد قدمت من الشواهد ما يكفي لإثبات أن العاقل لا يبيع أو يشارك أحدا في ملكية ناجحة.
وأما اقتصاديا، فصناديق العقار التي تطرح في عقار قائم، هي صناديق تضر بتنمية البلد. فهي تسحب سيولة المجتمع لتضيع في عقار قائم، فليس فيها نمو ولا تنمية ولا حل لمشاكل الإسكان. والجملة الأخيرة أقدمها للجهات الرسمية المسئولة، كسوق المال ووزارة الاقتصاد.